يارب – نص : علي عبد النبي الزيدي

الشخصيات

الأم     :   في الخمسينيات من عمرها .

 موسى :   يبدو في الستينيات من عمره .

المكان : وادي كبير تحيطه جبال من كل جانب ، غريب في شكله ، يسمى الوادي المقدس           ( طوى )  

–  تظهر ( أم ) في المكان ، تغطي جسدها عباءة نسائية سوداء ، حافية القدمين ،  تحمل كيسا كبيرا على رأسها ، نسمع صوتها قبل أن تظهر ، تتحدث عن طريق جهاز الموبايل بصوت عال ، تضع الكيس جانبا .

أم      :     ( تقف في منتصف الوادي ) نعم .. لقد وصلت الى المكان ، يبدو مخيفا ، قولي لكل الأمهات .. لن أعود إلا ومعي البشرى لهن ، ماء بارد على قلوبهن المتعبات .. نعم نعم ، سأتصل بك لاحقا … ( تغلق جهاز الموبايل ، تتفحص الوادي ) كل شيء يدعو للخوف هنا ، وادٍ من حجر ، وصلاتي من حجر وصيامي من حجر ، ودعائي من حجر ( تصيح ) وأنا أم تحول الدم الذي يجري في روحها الى حجر             ( ترفع رأسها ) جئت إليك يا رب وفي قلبي ألف دمعة وعتاب ، أعاتبك كأني أعاتب روحي ، وأتسأل كيف لروحي أن لا تستجيب  لدعائي ؟! أنا ضيفتك الآن         يا رب .. وتعلمتُ أن صاحب البيت يسمع حتى أنفاس ضيوفه ، فكيف اذا كنتُ ضيفة وأم ؟ نعم .. أم يا حسرتي عليها ( تصيح أكثر ) يا رب … كلمني أرجوك مثلما كلمت موسى هنا في هذا الوادي ، رد على قلب هذه الأم التي خسرت أولادها ولدا ولدا ، قلبا قلبا وضحكة ضحكة ، ولم يبق سوى إبن واحد ينتظره الموت في كل لحظة على طريقة شوارعنا ، ابن الخائبة بنت الخائبة ( مؤكدة ) طريقتنا التي تعرفها : درب الصد ما رد . لقد خلعت نعليّ كما ترى في باب بيتي وجئت الى واديك المقدس طوى وأعرف بأنك ستتكلم معي ، أدري بأنني لست بنبي ، ولكن قلب الأم كما تعلم يعادل ألف نبي ! أرسلتني الأمهات إليك يارب .. فأنا أكثرهن فجيعة وأكثرهن جنون ، لابد من حل لمصير أولادنا ” شنو أفرعلك ” حتى ترى الشيب الذي ملأ روحي من أجل أن يكبروا ، وعندما كبروا .. بدلا من أن تنتظرهم الحبيبات .. انتظرتهم عبوة ناسفة . لا يمكن أن يستمر هذا القتل على طريقة إعدام الكلاب السائبة ، هم أرواحنا كما تعلم وليسوا كلابا ، نريدهم أن يكبروا لا أن يتقطعوا ، أتحدث إليك بصفتي أكثر الأمهات دفنا لأولادها بلا أطراف ، أدفنهم أكوام لحم ، كيلو ، كيلوان ، ثلاثة ! كبيرهم لم أجد عظما واحدا له ، فذبحت عقيقته ودفنت عظامها بدلا منه ، وصرت أزور قبره أعني عظام عقيقته يارب             ” شسوي ، وشبيدي “…  لم يبق عندي سوى ولد واحد أريده أن يستمر بالحياة ، يحيى ويعشق ويكبر ويدفن بكامل أطرافه ( تخرج أوراق كثيرة من حقيبة يدها ) هذه تواقيع الأمهات .. انظر إليها ، لم أزوّر توقيعا واحدا ، آلاف التواقيع والنصاب لم يكتمل في كل مرة عندك يا رب ، لابد أن تجد حلا ( بحزم ) سأقول شيئا مهما ، باسمي وباسم كل الأمهات ، سنعطيك مهلة يا رب ، أربعة وعشرون ساعة حتى تقل للشيء كن فيكون أو أو أو .. نعلن اضرابنا جميعا عن الصلاة والصيام            ( تصيح ) نعم ، هكذا قررنا .. سنضرب عن الصلاة والصيام يارب ، ولن تجد أمّا بعد اليوم ترفع يدها للدعاء إليك ، شروطنا واضحة .. أن توقف القتل الذي يفترس أولادنا ، يخرجون من بيوتنا ولا يعودون وهم بعمر وردة تحلم بربيع سيأتي           ( تصيح ) نحن الأمهات نريد أن تصل أعمار أولادنا الى خمسين عاما على أقل تقدير ، خمسون عاما .. هل هي صعبة عليك يا أرحم الراحمين ، لم نطلب مستحيلا ، وبعدها افعل بهم ما تشاء ( بجنون ) عجيب … ( تصرخ ) أنت قادر على كل شيء كما تقول ؟ إفعل شيئا يارب فأنا في واديك المقدس طوى ( تصيح ) يارب يارب ، هل تسمعني يا رب ، ربي ، يا خالق السموات والأرض ، أين أنت ؟            يا رب … ؟ 

موسى  :     ( يظهر في المكان ، يتوكأ على عصا ، يرتدي ثيابا قديمة ) لا تصرخي ، يكفي .. ماذا تريدين ؟

أم       :    ( تنظر إليه باستغراب ) وما شأنك ؟ خلعت نعليّ ودخلت الوادي .

موسى  :     لا يحق لك أن تدخلي إليه .

أم       :    ( تنتبه لموسى ) ولا يحق لك أنت أيضا .

موسى  :     الهمس سيد المكان هنا ، فهذا واد مقدس لا يدخله سوى من أذن له الرحمن !

أم       :    انتظرت عمري كله ولم يأذن .

موسى  :     إذن عليكِ ان ترجعي الى الديار .

أم       :    لن أرجع حتى يكلمني الله .

موسى  :     لن يكلم أحدا .

أم       :    لا شأن لك ، إنه ربي .

موسى  :     لم يكلم أحدا هنا سواي .

أم       :    سواك ؟! ومن أنت ؟

موسى  :     موسى .

أم       :    ومن هو موسى ؟

موسى  :     ( مؤكدا ) النبي !

أم       :    ( باستغراب ) النبي موسى ؟ أنت ؟! كيف ؟ لالالا ، لا يمكن .

موسى :      أنا أعيش في هذا الوادي المقدس منذ زمن بعيدا .

أم      :     تعيش هنا ؟ شيء لا يصدق ، النبي موسى يعيش في واد ويترك الجنة ؟

موسى :      هذه جنتي التي زرعها الله وردا بحلاوة كلماته ، ونثر فيها من عطر تجلياته ، ونشر في ربوعها سلاما وحبا بحجم أنفاسه .

أم     :      لا يمكن ، كيف لي أن ألتقي مع نبي عاش في زمن بعيد ؟

موسى :      هو زمن واحد عند الله .. زمن لا شيء فيه سوى الرحمة أيتها الأم .

أم      :     الأم ؟ وتعرفني أيضا ؟

موسى :      نعم أعرفك .. وقد أرسلني للتفاوض معك .

أم      :     من أرسلك ؟

موسى :      الله تعالى !

أم      :     الله ؟ وتتفاوض معي ؟ ولكنني لم أطلب نبيا .. أريد الله – فقط – أن يسمع طلبات الأمهات ، وأنا مخولة منهن .. هذا كل شيء .

موسى :      أنت أم ترتدي عباءة امرأة مجنونة ليس إلا .

أم      :     الجنون يا موسى .. قتل أولادنا في ريعان عشقهم .

موسى :      يحق لك أن تتحولي الى مجنونة ولكن لا يحق لك ان تحرضي الامهات على الجنون.

أم      :     أنا أم جاءت الى هذا المكان بكل ونينها وموالاتها والدلول يمه دلول . 

موسى :      يكفي .. عليك أن تتوقفي حالا ومعك كل النساء لدعوات الاضراب عن الصلاة والصيام.

أم      :     سنعلن إضرابنا حتى تتحقق مطالبنا .

موسى :      لا يصح .

أم     :      ( تصرخ به ) وهل يصح أن يباع دم أحبائنا بسعر التراب وهو أغلى مايكون ؟

موسى:       وكيف لمخلوق أن ينقطع عن حبه لخالق وهبه كل شيء ؟

أم     :      نحن نحب الله أكثر عندما نضرب عن الصلاة والصيام !

موسى:       هذا تمرد وليس حبا .

أم     :      الله أعطانا الحق أن نتمرد من أجل أن نعيش !

موسى :      أفسرها بمؤامرة للإطاحة بـ …

أم      :     ( تقاطعه ) أنت نبي .. على عيني ورأسي ، ولكن لا يحق لك التدخل بيننا وبين الله.

موسى :      ( يصرخ بها ) أريد أن أفهم فقط .. ماذا تريدين ؟

أم      :     الرحمة !

موسى :      هو أرحم الراحمين .

أم      :     أعرف .. ولكن ليس في وطني .

موسى :      رحمته في كل مكان .           

أم      :     ( بجزم ) انا في عجلة من أمري ، اسمع يا نبي .. أربعة وعشرون ساعة ، هي المهلة التي أعطيناها لله سبحانه وتعالى .. وبعدها نعلن إضرابنا العام .

موسى :      أربعة وعشرون ساعة ؟ هي مهلة العباد للمعبود ، كأني أعيش في عصر الخرافات ، أو أسمع اسطورة ( بهدوء ) يا أم .. الله لا يُهدد .

أم      :     افهمها أنت كنبي كما تشاء ، ونفهمها نحن كأمهات كما نشاء … ( يرن صوت جهاز الموبايل ، تخرجه من جيبها ، تضغط على زر التشغيل )  نعم نعم .. ماذا تريدين ؟ ما زلت في المكان ، أنا ؟ أنا أتفاوض ، مع من ؟ مع موسى النبي . ما بك ؟ نعم ، هو النبي .. أرسله الله للتفاوض معي ( تصرخ بها ) لا تضحكي ، واتركي أسئلتك الآن ، أنت عملك فقط مراقبة التعليقات في صفحة إضراب الأمهات في الفيس بوك ، لا تدعي تعليقا إلا وتردي عليه ، هل تفهمين … ؟ ( تغلق الموبايل . مع موسى ) الأمهات لم تعد قادرة على الصبر …

موسى :      صفحة الأمهات في الفيس بوك ؟ ما هذه المهزلة ؟ سيتطور الموضوع الى انقلاب عسكري ، إنك لا تفهمين ماذا تفعلي ، هذه دعوة للعودة الى الوثنية أو عبادة الأصنام أو فرعون الذي قال : أنا ربكم الأعلى .

أم       :    ( تبتسم ) تتحول المطالب بالحقوق الى تمرد دائما ؟!

موسى  :     هذا تطور خطير قد يؤدي الى انقراض جنس الأمهات نهائيا من الأرض .

أم       :    سننقرض .. مادامت الأرض تأكل أولادنا كل لحظة .

موسى  :     ( يرفع رأسه ) كيف لي أن أتفاوض مع كل هذا الألم ( يضرب الأرض بعصاه ) الطلبات مرفوضة يا أم ، انتهى التفاوض ، وعليك أن ترحلي من هنا .

أم       :    مرفوضة ؟ ما بك ؟ القسوة لا تدخل الى قلب نبي كما يقال .

موسى  :     وقلبي ليس فيه سوى البياض .   

أم       :    ( تنظر الى العصا ) إذن حاول أن تفعل شيئا بعصاك يا موسى .

موسى  :     إنها تعمل بمشيئة الله .

أم       :    قل لها أن تشق الأرض الى نصفين .. نصف يعيش فيه القتلة ، والنصف الآخر نعيش فيه مع أولادنا بسلام .

موسى  :     ( يشير الى العصا ) هي عاطلة عن الحياة الآن ، يبدو أنها تحتاج الى فرعون دائما .

أم       :    حتى عصاك تحولت الى خردة يا نبي !

موسى  :     قلت لك بأنها تعمل بقدرة الله الواحد الأحد ، وليس بقدرتي .

أم       :    حاول معها ..  يجب أن تتوقف الفوضى في الوطن .

موسى  :     بل يجب أن تتوقف الأمهات عن هذه الفوضى .

أم       :    ( تصرخ ) يبووووي .. هناك من يعيش بسلام ولم يقل في حياته الله أكبر ؟ ماذا يجري يا موسى ؟ قل شيئا ، نحن أمهات لا نملك سوى الله أكبر منذ أن ولدنا ، وأرواح عاشقة لأولادنا . ماذا فعلنا لينزل علينا كل هذا الجحيم ؟

موسى  :     منذ أن وضعت روح آدم على هذه الأرض كان هذا السؤال .

أم       :    ولم يجب عليه أي أحد .

موسى  :     أنا أحتج على فكرة الإضراب .

أم       :    أرسلك الله للتفاوض معي وليس لتحتج .

موسى  :     العلاقة مع الله ليست فيها شروط ومقاسات ؟

أم       :    نشعر أن الله رفع يده عن هذا الوطن فتحوّل الى جهنم .

موسى  :     جهنم .. هي مشفى ساخن لعلاجكم  !

أم       :    سنصرخ ونرفض ونحتج على جهنم هذه …

موسى  :     سيبتلعكم البحر مثلما ابتلع …

أم       :    ( تقاطعه بغضب ) لسنا بفرعون وجنوده .. قلوب مؤمنة وطيبة على شكل أمهات ، لم نطلب مستحيلا من الله ، نريد لأولادنا النوم في أحضاننا بدفء ويحلموا أحلاما بحجم براءتهم .    

موسى  :     مازالوا صغارا على أحلامهم .

أم       :    ( تخرج من الكيس الكبير ” هاون”  تطحن به ، يبدو فارغا من خلال ضربات الأم القوية بداخله ) أطفالنا خرجوا من بطوننا ورؤوسهم تشتعل بالبياض .. كله شيب ، هل تفهم ؟ تحولت كل واحدة منا الى مجنونة وطن ، مصحة كبيرة لا شيء فيها سوى أمهات مجنونات بأولادهن ، انتظر قليلا ، تفرج فقط ، فرجة بلا نقود ، سأخبرك بشيء عن واحدة منهن ( تتوقف عن الضرب بالهاون ، تصيح ) تفرج ، تفرج على ضيمنا ، على سخام وجوهنا يا نبي …

              ( تضع أحدى العباءات على رأسها ، تمثل دور أم 2 ، تبدو مجنونة ، يضعون أمامها تابوت فيه رفاة ابنها ، يقفون جانبا ، موسى يتفرج … )

أم2    :      ( تزغرد بجنون ، تضحك ، ترقص ، تقترب من التابوت ) جئت أخيرا يا عين         أمك ، قلت لهم سيأتي إبني ولم يصدق أي أحد هذه المجنونة التي تشتكي الشوارع من قدميها ( تصرخ ) تعالوا لتشاهدوا إبني وهو يعود لحضن أمه بثياب عرسه             ( تزغرد ، تردد ) ” امبارك عرسك يالوالي ” كانوا يعتقدونني مجنونة ، والآن هو يعود لروحي … ( تخرج من الكيس ثوبا لونه احمر ، ترتديه فوق ملابسها ) نذرت نذرا عندما يرجع إبني الى حضني سأرتدي ثوبا أحمر بلون دمه ،” حلو ، كلش حلو ، يخبل ” ( تستدرك ) جاءوني بقميصه وفيه دم كذب وقالوا هذا ما تبقى منه ( تزغرد ، ترقص حول التابوت بجنون ، تتوقف ) جاءوا بك أخيرا ( بحزم مع التابوت ) هيا استيقظ من نومك ” إكعد ” .. النوم لم ينفع أهل القبور ، كن رجلا وانهض ( تردد بألم ) ” هاي فرحه وبعد فرحه واليحب يتبارك إلنه ” ( تتوقف ) قلت لك انهض وعانق أمك بدلا من هذا الدلال الذي لامعنى له ، سأعطيك قميصا جديدا ليس فيه قطرة دم واحدة ( تصيح ) لقد جاءوا بقميصك وفيه دم كذب         ( يظهر مجموعة من الاشخاص ، يرفعون التابوت ويخرجون ) الى أين تأخذونه ؟ انتظروا ( تصيح ) جاءوا بقميصك وفيه دم كذب … ( تردد ) امبارك عرسك يالوالي … وهاي فرحه وبعد فرحه … ( تزغرد وترقص بجنون … )

( تتوقف عن أداء دور أم 2 ، تخلع الثوب الأحمر )

أم       :    ها .. ما رأيك ؟   

موسى  :     الموت سنة الحياة .. لا شيء يستحق من أجله أن يحيى عمرا طويلا في وطنكم الذي ليس فيها سوى الدموع .

أم       :    خارج عن إرادة فرحنا يا نبي ، والله هو من قـدّر لنا أن نكون في هذا الوطن .

موسى  :     أعرف ذلك ، ولكن الإضراب عن الصلاة والصيام .. عصيان على سلطة الله في الدنيا .

أم       :    لا أفهم هذه المفردات ، لا أعرف معناها ، أنا مجرد أم ككل الأمهات تريد أن تتدفأ بأنفاس ولدها آخر العنقود .

موسى  :     احذري يا أم ، احذري ، واذ قال ربك للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر …

أم       :    سل هذه الأرض عن سجودنا الطويل وبكامل أعمارنا .. ولكننا في النهاية طردنا من الجنة لأننا سجدنا لله وحده !

موسى  :     ولقد خلقنا الانسان في كمد .. الله قال ذلك .

أم       :    ( تبتسم ) لماذا ، لماذا في كمد ؟

موسى  :     ( يصرخ بها ) تراب الشوارع عندكم عجن مع الألم .

أم       :    لم يعش أي إنسان في هذه الأرض سوانا في كمد ! ماذا فعلنا لكي نعاقب هكذا ؟ هل من حل يا نبي ؟ قل شيئا ، لا تسكت … ( تخرج جهاز الموبايل ، تضغط على زر فيه ) انظر ، انظر هذه الفرجة .. انظر ( تعطيه الموبايل ، يشاهد ، نسمع أصوات امهات تصرخ دفعة واحدة ، نسمع لطمهن … يرجع لها الجهاز) هل شاهدت يا نبي ؟

موسى  :     شاهدت .

أم       :    منذ زمن بعيد لم تسكت هذه الأصوات .

موسى  :     ليست بغريبة عليّ ، في الجحيم هناك كنت أسمع نفس الأصوات !

أم       :    لكننا ما زلنا أحياء ، مازلنا في الدنيا .

موسى  :     ( يصيح بها ) ستعاقب كل نساء الأرض بسبب أفكارك ، ولن تكون الجنة تحت أقدامهن .

أم       :    لا نريد الجنة تحت أقدامنا .. لتكن أينما تكون ، فقط .. اتركوا أولادنا يعيشون الحياة مع امهاتهم ، هم ورودنا ، أسمعت بجنة بلا ورود .

موسى  :     ومن أنت حتى تتكلمي بلسان الأمهات في وطنك ؟

أم       :    أنا ؟ انتظر قليلا يا موسى ، انتظر ، سأريك تخويلا خاصا من تلك الأمهات …         ( تفتح الكيس الكبير ، تخرج مجموعة كبيرة من العباءات النسائية ) أرسلن عباءاتهن معي لكي يراها الله ” اشكد خطيه ” ( تصيح وهي ترمي بالعباءات ) هذه وهذه وهذه وهذه وهذه وهذه وهذه الى ما لانهاية… سأفرشها هنا في الوادي ( تمسك عباءة ) هذه العباءة لأم عبد الله ، عبد الله الذي كان لا يغفو إلا على ذراع أمه ، تخيل قد غفى على دوي قذيفة ( تمسك بعباءة ) وهذه العباءة لأم سعيد ، سعيد هذا لم يكن بسعيد أبدا ، عاش مع أمه في غرفة من طين ، وعندما تقطـّع جسده لم يجد قبرا من طين يؤوي ما تبقى منه ( تمسك بعباءة أخرى ) وهذه العباءة لأم سالم أعقل أم في مدينتنا ، سالم هذا أفضل حال من أصدقائه ، فقد جاءوا برأسه الى أمه ، فتحولت بقدرة قادر تلك العاقلة الى أكبر مجنونة في مدينتنا ( تشير الى العباءات ) وهذه لأم جابر ياعيني عليها ، وهذه لأم أحمد وهذه لأم علي ، وهذه لأم … سخام الوجه ، الله أحد ، أنظر ( تصرخ ) هذه أمهات على شكل عباءات ، كل عباءة فيها عطر أولادهن الذين تقطعوا بعبوة ناسفة هنا وحزام ناسف هناك .   

موسى  :     ما هذه الأم يا رب ؟ ليس في روحها سوى الحزن ، ماذا يجري هنا ؟ ولكن ما علاقة الصلاة والصيام بما يحدث ؟

أم       :    لا أحد يصغي لصراخ دموعنا .. لم نجد أحدا نحتج عليه سوى الله .. علّه ينزل علينا مطرا يطفيء نار قلوبنا يا نبي ، ويوقف هذه المهزلة .   

موسى  :     الله ليس طرفا في صراعكم ، القتل نزهة تحاولون أن تجمّلوها بالدماء والكلمات الجوف ، وتصنعون لها ألف مبرر برؤوسكم ، ما شأنه تضعونه في موضع لا يليق به ؟

أم       :    الله من خلق القتلة !

موسى  :     وخلقك أيضا .

أم       :    ما كان عليه أن يخلق تلك الوحوش ويجعلها تعيش مع أرواح أليفة .

موسى  :     لابد من تناقضات في الخلق .. لابد من جائع ومتخم ،لابد من قاتل ومقتول .

أم      :     القتل منذ ألف سنة لا يلاحق غيرنا يا نبي ؟

موسى  :     ( يصرخ بها ) قلت لك الموت سُنة الحياة .

أم       :    ( تصرخ به ) الموت سُنة وليس القتل ، وليس الذبح ، ليس الحرق ، الموت سُنة ولكن ليس فصل الروؤس عن الأجساد سُنة .

موسى  :     ( ينزوي لوحده ، ينظر الى العصا ، يتحدث معها بهمس ) افعلي شيئا يا عصا ، ارجوك ، أي شيء ، حركة واحدة منك ربما تتراجع هذه الأمهات عن فكرة الإضراب ، مابك ؟ ( يتوقف ، يرفع رأسه ) يا رب .. قل لها أن تفعل شيئا بمشيئتك ( يأمرها ) كوني أي شيء وأوقفي القتل ليوم واحد ، أو لساعة واحدة ، لدقيقة واحدة ، أتوسل اليك يا عصا . لا فائدة …  ( بحزم مع الأم  ) عودي أيتها الأم الى ديارك قبل أن يخسف بك الجبار أرض هذا الوادي .

أم       :    لن أرجع حتى أخذ عهدا من الله ان لا ذبح لرقاب أولادنا بعد اليوم !

موسى  :     أنا هنا للتفاوض معك .

أم       :    شروطنا واضحة .

موسى  :     ( يرفع رأسه صائحا ) يا رب .. لا طاقة لي بكلمات أهل الأرض ، يا رب ، لا طاقة لي بكل هذا الحريق الذي يخرج من فم هذه الأم ، يا رب .. لا يمكن أن تكون قد خلقت الحياة لتكون سكينا معدا لذبح هذا الكون .

أم       :    صمت ……….. لا شيء سوى الصمت .

موسى  :     يمكن ليديك أن تطلب شيئا بصمت .

أم       :    ( تشير ليديها ) تعبتا يا موسى !

موسى  :     عنادك أيتها الأم .. سيجعل دعاؤك غير مستجاب من قبل الله أبدا .

أم       :    ومتى كان مستجابا حتى يستجيب له الآن ؟ متى ؟ كنت أنسى يدي لساعات وهي مرفوعة للسماء ، هكذا ( ترفعها ) أياما حتى تـشل ، فتبني الحمامات أعشاشها على راحة يديّ ، وأنسى فمي لأسابيع وهو يتوسل به أن يحفظ أولادي من القتل ، وأنسى دموعي لسنوات تجري عله يجففها بكلمة واحدة منه ( تصرخ به ) قل لي ماذا أفعل حتى يستجيب الله لدعائي ؟ 

موسى  :     أيوب صبر على البلاء لسنوات طويلة .

أم       :    ( تصيح ) ونحن مسنا ألف ضر وأنت أرحم الراحمين ؟

موسى  :     يونس النبي عاش وصلى وصام في جوف حوت .

أم       :    لا يعني شيئا أمام وطن تحول الى حوت كبير ابتلع كل أحلامنا .

موسى  :     عيسى صلبوه بأبشع ما يكون الصلب .

أم       :    كل لحظة في شوارعنا مراسيم لصلب أعزائنا بأبشع ما يكون !

موسى  :     ويعقوب الذي ابيضت عيناه وكان كظيم ؟

أم       :    عُميت كل عيون الأمهات ، وابيضت قلوبهن وأرواحهن معا .

موسى  :     وبئر يوسف … ؟

أم       :    ( تضحك ) أهون بكثير من هذه الظلمة ؟

موسى  :     لا أستوعب نار كلماتك يا أم .

أم       :    ولا أستوعب برودة كلماتك يا نبي .

موسى  :     مازلت أحمل عصاي .. قد تعمل في أية لحظة .

أم       :    سيف من خشب !

موسى  :     ( ينتفض ، يتحدث مع العصا ) لالالالا ، سترين بأنها تعمل ، ستعمل في أية لحظة ( للعصا ) تكلمي ، افعلي شيئا ، أوقفي القتل بإذن الله ، أوقفي الحرائق والرصاص والدخان والانفجارات يا عصا ، ما بك ؟ لا أريدك أفعى تسعى في الارض .. بل أريدك ضمادا يطيب خاطر تلك الأمهات ، ماذا أصابك ؟ ( يرفعها بيده عاليا ) يا عصا .. أنا موسى النبي آمركِ أن تطفيء كل نار على الأرض … ( يرفعها أكثر ، يتوقف ) يا لخيبتي .  

أم       :    هل أنت واثق بأنك النبي موسى ؟

موسى  :     لم يبق سوى أن تشك بوجودي ؟

أم       :    كيف تتعطل عصاك إذن ؟

موسى  :     ومن أكون كما تعتقدين أنت ؟

أم       :    لا أعرف .

موسى  :     ( يصرخ بها ) عليك أن تكوني مؤمنة ، ولا تدعي الشيطان يخلع عباءة إيمانك أيتها الأم ، ربما يريد الله أن يختبر صبرك وصبر الأمهات بفقد أعزائهن .

أم       :    هل قالوا لك يوما أن هناك أما زغردت أو رقصت أمام جنازة ابنها ؟ هل سمعت بهذا الجنون … ؟ ( تصرخ به ) نحن المجنونات فعلنا ذلك … ( جهاز الموبايل يطلق صوتا ، تخرجه من جيبها ، تضغط على الزر ) نعم .. ماذا تريدين أنت الأخرى ؟ أنا ما زلت في وادي طوى ، كلمته .. نعم كلمت الله ولكنه لم يتكلم معي ، ماذا أفعل ؟ كوني في مكاني ، نعم نعم .. اصبرن قليلا ، قولي لي ، كم وصل عدد الأمهات  الآن ؟ آها .. أكثر من مليون أم … نعم نعم اذهبي الآن . ( تغلق الجهاز ، مع النبي موسى ) سيكون إضرابا من عباءات وثياب سود ودموع ، ستتوقف العبادات الى إشعار آخر …

موسى  :     أنت تقفين في واد مقدس .. وعليك أن تتحدثي بكلمات طيبة ، فالله يسمع من عباده ما يشاء . 

أم       :    ومتى يشاء ؟ قل لي أرجوك .. متى يشاء ؟

موسى  :     لا أدري .

أم       :    إذهب إذن .. ودعني هنا لوحدي مع تلك العباءات .

موسى  :     لم نصل لحل يا أم .

أم       :    ولن نصل يا نبي .

موسى  :     أخاف عليك من غضب الله .

أم       :    لا جديد .. الغضب منتشر في شوارعنا على شكل عبوات ناسفات ، معدة لقتل صغارنا .. وتأتي أنت لتخاف عليّ من غضب قادم ؟

موسى  :     كيف لي أن أتفاوض مع هذه الأم ؟ ما هذه الورطة ؟ انها امرأة من عناد يارب        ( يغير الموضوع ) ربما أولادكن الآن في الجنة .

أم       :    ( تضحك ) وماذا يفعلون فيها ؟

موسى  :     يعيشون حياة سعيدة ومترفة ، الأنهار تجري من تحت أقدامهم ، حور عين وولدان مخلدون ، وطعام مما يشتهون ، وفاكهة …

أم       :    ( تقاطعه ) أنت مخطأ يا نبي .. الجنة الحقيقة لأولادنا هي أحضاننا الدافئة !

موسى  :     عليك أن تتصلي الآن بالأمهات .. وتوقفيهن عن فكرة الإضراب عن الصلاة والصيام لان هذا مخالف لفكرة عبادة المخلوق للخالق .

أم       :    اتخذ القرار بإجماع الأمهات في الوطن ولا يمكن الرجوع عن قرارنا . الكف عن موت أبنائنا بهذه الطريقة أو الإضراب حتى تتحقق مطالبنا .

موسى  :     لقد أخرجتِ الله من قلبك ، ومن يفعل ذلك يتحول قلبه الى مضخة ليس إلا .

أم       :    غادرت قلوبنا مع أولادنا الذين غادرونا دون موعد .

موسى  :     ( يرفع راسها ) صعب أن أتفاوض مع امرأة مثل هذه يا رب ( بهدوء) الإيمان يا أم هو أن تشكري الله عندما لا يعطيك شيئا .

أم       :    قل شيئا آخر يا موسى .

موسى  :     الايمان أن …

أم       :    ( تقاطعه ) كيف لنا أن نستمر بما نؤمن ونصمد أمام منظر أولادنا وقد تحولوا الى خراف تذبح وتسلخ وتشوى وتلتهم في كل لحظة والله تعالى يتفرج على خرافنا الصغيرة ؟

موسى  :     الله تعالى عما يصفون ، أي أمهات أنتن .. لا شيء في أجسادكن سوى القلب ، هو الذي يتكلم ويصرخ ويبكي ويقرر وقد تركتن العقل يابسا لا حياة فيه ، ماذا يحدث لهذا الكون ؟ الله يريد الخير دائما لعباده !

أم       :    وأين هو الخير يا نبي ؟ أين ؟ أين أجده ؟ في أي سوق يباع ؟ أربعة أولاد كل ما أملك في هذه الدنيا ، ثلاثة منهم احرقتهم عبوات ناسفات وتناثرت بقايا أطرافهم ، وأنت ببساطة تتحدث عن الخير ؟

موسى  :    الموت بهذه الطريقة هو موت درامي مؤثر ، ولكن عقول الأمهات لا تستوعب ان الله يريد الخير بعودة الأبناء الى مكانهم الحقيقي !

أم       :    لقد تحولنا من أمهات من لحم ودم الى قصص غريبة من لحم ودم ولطم .

موسى  :     وأنا الآخر توقفت عصاي وتحولتُ الى متفرج لا يملك سوى التصفيق !

أم       :    أنت نبي عاطل عن العمل .

موسى  :     وعاطل عن التفاوض .

أم       :    يمكنك أن تتفرج أكثر ، انتظر أيها المتفرج ، شاهدني قليلا  …

موسى  :     ولكنني عاجز عن التصفيق .

أم       :    تفرج  فقط ، مجانا ، ودع الذي لا يشتري يتفرج على بضاعتنا دون تصفيق …

              ( موسى ينزوي ، يتفرج ، تلف ” أم ” عباءتها حول خصرها ، تقوم بأداء دور          أم3 ، تأتي بمجموعة من ” طاسات ” – إناء – الماء تضعها وسط المكان )

أم3     :     عندي ألف طاسة ماء وطاسة ، في كل يوم أرشهنّ وراء أولادي ، طاسة من أجل أن يعودوا سالمين من الوطن ، وطاسة من أجل يمشوا بأطرافهم في شوارع الوطن ، وطاسة من أجل أرواحهم التي يريد أن يسلبها الوطن ، وطاسة من أجل قلوبهم التي تتوقف كل لحظة مع رصاص الوطن ، وطاسة على وجوههم التي اغتسلت بدخان الوطن ، وطاسة على أحلامهم التي تفز كل يوم على يبووووووي الوطن ( تصيح ) كل هذه الطاسات شاهدة بانني لم أنس يوما أن أرش الماء وراء أولادي لكي يُطرد الشر من أمامهم ، ويبرد قلبي ويطمئن فيعودوا مسرعين الى روحي ، هم لم يعودوا منذ سنوات ولكن ما دامت طاساتهم موجودة هنا وأرش الماء وراءهم ، لابد من خبر مفرح يثلج القلب ، يا حسرتي .. كل الأخبار توقفت .. وتحولت : ( تغني بطريقتها الخاصة وهي تضرب صدرها بكفيها )

” يمه .. انا من أكول يمه ينهدم حيلي”

( تتوقف عن أداء دور أم 3 )

أم       :    ها .. ما رأيك أيها المتفرج  ؟

موسى  :     روحي لم تسمع عن هذه الطاسات شيئا ، ولم تشاهد سر تلك العباءات ، ولا تفهم كل هذا الألم ! ماذا يحدث في هذه الأرض التي تعطلت فيها عصاي ، ولم يعد لي فيها مآرب أخرى ، انشق أيها البحر لتستوعب هموم تلك الأمهات .

أم       :    ( تبتسم ) كنت نائما في الجنة يا نبي ولا تدري .. ونحن نصلى كل يوم بحريق .

موسى  :     أشعر بحاجة أن افهم هذا الموت الذي يحيط بكم .

أم       :    تكلم مع الله ، قل له أن يوقف هذه المهزلة .

موسى  :     وكيف يوقفها ؟

أم       :    تسألني كيف يوقفها ؟ أليس هو الله الذي يقل للموت كن فيكون وللحياة كوني فتكون ولأولادنا ارجعوا سالمين فيرجعوا ، وللقتل توقف فيتوقف ، ماذا حدث ؟ لا تقل لي أن الله لم يعد بقادر على كل شيء !

موسى  :     ( يصرخ بها ) هذه حدود الله فلا تقتربي منها ، هو قادر على كل شيء .

أم       :    نريد من هذه الكل شيء .. شيئا واحدا منه .

موسى  :     توقفي ، أستغفري وتوبي الى الله .

أم       :    ماذا أخطأت لكي أستغفر ؟ وماذا فعلت لكي أتوب ؟ وقد عشت الحياة عقوبة طويلة في زنزانة لا شيء فيها سوى الحرام والفقدان والجوع والرصاص والانتظارات ، أستغفره ولم أفعل شيئا وأتوب ولا أدري عن أي شيء أتوب ، انقضى العمر بين الاستغفار والتوبة ( تصيح ) تعبت ، هل تعرف ماذا يعني بأنني تعبت ؟ انتظر قليلا من فضلك … ( تخرج جهاز الموبايل ، تتصل … ) لا تسأليني شيئا يا أم ، واسمعيني جيدا ، قولي لجميع الأمهات الاستعداد لمظاهرة مليونية ندعو فيها للإضراب عن الصلاة والصيام ،  نعم .. سنعلن العصياني الإلهي في حالة عدم الاستجابة لمطالبنا من قبل الله عزه وجل ! ( ترفع رأسها ) ربي عفوك ( تستمر بمكالمتها ) هذا هو الحل الأخير ، نعم نعم .. واسمعيني أيضا : صفحة الفيسبوك لا تتركيها للحظة واحدة ، انشري كل شعارات الإضراب مع الصور فنحن في مفترق طريق تأريخي ، هل تعرفين ماذا يعني التأريخي ؟ آها ، نعم .. أنا أيضا لا أعرف ، لا يهم .. أسمعهم يقولون وضع تأريخي ، نعم ، تحركي الآن يا أم ، تحركي …            ( تغلق جهاز الموبايل )

موسى :      عن أي تاريخ تتحدثين ؟

أم      :     عن اليوم .

موسى :      أمس كان فرعون وجنوده …

ام      :     ( تقاطعه ) اليوم .. الخوف وجنوده هنا .

موسى :      ربما أمي واحدة من تلك الأمهات !

أم      :     ( تشير الى العباءات ) نعم .. أمك يا موسى عباءة من تلك العباءات .

موسى :      ( مستغربا ) أمي ؟

أم      :     أخذوك منها ووضعوك في البحر .. هم أخذوا عمرها يا موسى وأنت لا تدري .

موسى :      ما زلت أشم عطرها .

أم      :     ولكن أولادنا لم يشبعوا من عطر امهاتهم .

موسى :      أقترح عليك أن تصلي هنا .. وارفعي يديك إليه بحرقة قلب .. وانتظري .

أم      :     آخر صلاة تقصد ؟

موسى :      محاولة أخيرة .

أم      :     سأصلي … ( تقف للصلاة ) سأحاول ، حتى لا تعاتبني يا رب يوم القيامة ، وتسألني عن صلاتي وصيامي ، سأصلي وبعدها ليس لك عندي من شيء ، فقد مللت ، والله مللت ، سأحاول أن أقول : سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله .. ولكن بعدها أريدك أن  ” تنشّف ” دموعي ، سبحان الله .. ولكن بعدها أطفئ حريق هذا القلب بكلمة واحدة منك .. الحمد لله ، ولكن بعدها عطـّل كل عبوة ناسفة في طريق أولادنا ، الشكر لله ، ولكن بعدها …

موسى :      ( يقاطعها ) صلي أيتها الام .. صلي ..

أم      :     ( تركع ) وأنا أصلي كما ترى …

موسى :      صلي كما تصلي الناس !

أم      :     ( تسجد ) هذه هي صلاتي .. لم أعرف سواها .

موسى :      ( يصيح بها ) توقفي ، لم أر احدا يصلي هكذا .

أم      :     ( تتوقف ) الأمهات المفجوعات فقط من تصلي هكذا .

موسى :      بكل هذا الجنون .

أم      :     كل مجنون له صلاته الخاصة .             

موسى :      سأجن أنا الآخر ( يصرخ ) ما الذي يحدث هنا ؟ كل الشوارع هي وادي طوى ، مقدسات تفسدها قطرة دم واحدة ، لالالالا .. لا يمكن السكوت على تأريخ جديد للذبح ، وفرعون يتناسل في شوارعكم ، سأتكلم مع الله سبحانه ، بل سأتوسل به من أجل عيون الأمهات …

أم      :     هذا هو الحل .. تكلم مع الله أرجوك ، هو يسمع من أنبيائه .

موسى :      لم يرفض لي طلبا أبدا .

أم      :     تفضل ، ماذا تنتظر ؟ قل له عنا وعن انتظاراتنا ومحطاتنا وقطاراتنا التي لا تتوقف…

موسى :      سأفعل ذلك ( يرفع رأسه ) ربي .. أنا موسى النبي الذي كلمته في هذا الوادي ، وجعلتني كليمك ونبيك وآيتك في الأرض ، وجعلت من عصاي معجزة قهرت بها أعداءك ، جئتك اليوم متوسلا بك أن توقف نهر الدماء في وطن الأمهات ، أنزل مطرك على الشوارع لكي تتوضأ وتستعد لصلاة الحب التي علمتنا إياها ، لا خلاص إلا بك ، من أجل تلك القلوب المتعبات ، يا رب .. أوقف هذا النزيف ، اعطن اشارة أو كلمني بكلمة واحدة ، قل لي سأفعل ذلك ، أنا نبيك موسى الذي طالما استجبت لدعائه ولا يعقل أن لا تستجيب لي الآن ، لا يعقل ! يا رب ، قل شيئا أرجوك … يا رب ( يتوقف بخيبة )

أم      :     ماذا حدث ؟

موسى :      لا شيء .

أم      :     حتى أنت يا نبي ؟!

موسى :      حتى أنا يا أم !

أم      :     ماذا تعني ؟

موسى :      لم يستجب لدعائي .

أم      :     وأنت نبي ؟!

موسى :      نعم .. وأنا نبي .

أم      :     فكيف بنا ونحن مجرد عباءات تمشي على الارض ؟

موسى :      لا أدري .

أم      :     ومن يدري وقد أرسلك الله للتفاوض معنا ؟

موسى :      لا فائدة ، سأتخلى عن هذه المهمة .. يبدو أن لعنة القتل قد حلت هنا ولن تتوقف .

أم      :     أنت شاهد عيان يا نبي .. لا خيار أمامنا سوى الإضراب عن الصلاة والصيام .

موسى :      ( يصيح ) لا خيار .. الموت سنة الحياة ولكن تحول الموت الى سنة للموت ! ولم يعد عزرائيل يأخذ الأرواح كعادته .. وتنازلت القبور عن برزخها ، وتوقفا منكر ونكير عن أسئلتهما الطويلة .. فلا يعقل أن يسألا جثثا تقطعت أرواحها الى ألف قطعة .  

أم      :     ( تتصل عن طريق الموبايل ) اسمعيني يا أم .. خبر مؤسف : الله لم يستجب لمطالبنا ، لنبدأ بإعلان إضرابنا عن الصلاة والصيام حتى تتحقق مطالبنا المشروعة ، الجمعة القادمة ستكون تحت شعار : ” جمعة   يارب : أولادنا أو          لا صلاة ولا صيام بعد اليوم ” ( تغلق جهاز الموبايل )

موسى :      ( مع نفسه ) جمعة يا رب : أولادنا أو لا صلاة ولا صيام !

أم      :     اذهب يا نبي الى جنتك ودعنا مع القتل لوحدنا ، اذهب …

موسى :      لن أذهب .

أم      :     ماذا تعني ؟

موسى :     سأبقى هنا .

أم      :     ولكنك نبي وتعيش في الفردوس هناك .

موسى :      الجنة كما أرى أن أشارك تلك العباءات في مطالبها .

أم      :     ماذا تريد أن تقول ؟

موسى :      سأكون معكم .

أم      :     معنا ؟ كيف ؟

موسى :      ( يرفع رأسه ) عفوك يا رب ، عشت عمري كله قريبا من تلك الارواح المعذبة في الأرض ، لن أعود للجنة حتى ينتهي هذا الألم ، لا يمكن أن أعيش في جنة تجري من تحتها الأنهار ، وهنا وطن يجري من تحته الجحيم ، لايمكن … ( بحزم للأم ) اسمعي .. سأشترك معكم بالإضراب عن الصلاة والصيام !!

أم      :     كيف تشترك معنا وأنت نبي ؟

موسى :      سأتوقف قليلا عن نبوتي من أجل تتوقف هذه المهزلة .

أم      :     ألا تخاف من غضب الله عليك وأنت نبي ؟

موسى :      لن يغضب مني ، هو يعرف أن ليس في قلبي وروحي سواه .

أم      :     ( تتصل عن طريق الموبايل ) نعم .. اسمعي أيتها الأم .. النبي موسى سيشترك معنا بالإضراب ( تصيح ) موسى سيكون معنا ، اكتبي بالفيس بوك عاجل عاجل عاجل : موسى النبي يشترك مع الأمهات بالإضراب عن الصلاة والصيام حتى يتوقف القتل الذي يلاحق أولادنا … ( تزغرد ، تغلق الموبايل )

موسى :      ( يصيح ) يا رب أتوسل إليك أن توقف هذا القتل …

أم      :     ( تصيح ) الأمهات تريد إيقاف الدماء .

موسى  :    ( مستمرا بالصياح ) يا رب أوقف هذا السواد .

أم       :    ( مستمرة … ) ليس لنا سواك يا رب .

موسى  :     ليس لنا سواك …    

أم وموسى  :   ( يصيحان معا ويقومان بنثر العباءات في المكان ) أوقف هذا الموت يارب ، أوقف الحريق ، أوقف الحزن ، لابد من حل ، نرجوك ، أوقف تقطيع أولادنا ، يارب مرؤتك ، رحمتك ، أنت من خلقتنا وانت مسؤول عن حمايتنا . يارب يارب يارب … ( يستمرا بصراخهما بقوة ، بعدها يغادران الوادي ولكن صوتيهما يتحول الى آلاف الأصوات وهو يشير الى مظاهرة عامرة تجتاح الشوارع …  )

( انتهت )

العراق  –  الناصرية 2013

Related posts

ترانزيت – نص : د.ايمان الكبيسي

مسرحيتان قصيرتان جدا – نص : طلال حسن

الحمامة – نص : سحر الشامي / عن رواية (الحمامة) لباتريك زوسكيند