بقلم: رويسين دالي / مهرجان هولندا، هولندا، مراجعة، المسرح والذكاء الاصطناعي
الدخول إلى عرض “من الغبار” لا يشبه حضور عرض مسرحي تقليدي، بل هو أقرب إلى الولوج الواعي إلى حلم. في هذه الأوبرا المعتمدة على الواقع الافتراضي، يواصل الفنان ميشيل فان دير آا ابتكاره في سرد القصص الغامر، حيث يُدعى كل مشاهد فردي إلى أن يكون شريكًا في تشكيل تجربته الخاصة.
العرض قُدم في فضاء مظلم داخل قاعة Muziekgebouw ضمن فعاليات مهرجان هولندا، ويُعرّفنا على بطلة وخمس نسخ بديلة منها — ست نساء مغنيات يقدن المشاهد في رحلة شخصية. الأصوات تؤديها فرقة Sjaella المكونة من ست مغنيات، حيث تمثل كل واحدة منهن شخصية تشبه المشاهد داخل العالم الافتراضي.
قبل ارتداء خوذة الواقع الافتراضي، طُلب مني الجلوس داخل غرفة تشبه صندوقًا زجاجيًا، حيث أجريت محادثة مع أحد الميسّرين الذي طرح عليّ سلسلة من الأسئلة: وصف مكان شعرت فيه بأنني الأقرب إلى ذاتي، وآخر شعرت فيه بأنني الأبعد عنها، ومكان في خيالي يتجاوز الواقع — أشبه باليوتوبيا الشخصية. هذه الأسئلة أدخلتني في حالة من الحميمية النفسية، مهدت لتفعيل سردية شخصية تُهيّئ البيئة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي لتعكس مشهدًا مخصصًا.
بعد ذلك، قام الميسّر بمسح جسدي باستخدام كاميرا تلتقط “إحساسًا” بوجودي، مما يسمح للشخصيات الافتراضية بأن تشبهني جسديًا. وبمجرد تثبيت الخوذة، ورغم معرفتي بأنني واقف في غرفة وأضع جهازًا على رأسي، وجدت نفسي مندمجًا تمامًا في عالم فان دير آا. لم أكن بحاجة لاتخاذ قرار واعٍ لأكون حاضرًا بالكامل، بل حدث ذلك تلقائيًا.
الشخصيات الافتراضية كانت مدركة بوضوح لحضوري، وكل عنصر في الرحلة كان محسوسًا جسديًا. في لحظات، شعرت وكأنني أُرفع إلى السماء أو أُسحب عبر فضاء مجهول. حتى أنني تعرضت لمفاجأة مرعبة عندما ظهرت إحدى النساء فجأة أمام وجهي وهي تغني.
هناك شعور غريب بالوعي الذاتي حين تصبح أنت جزءًا من الأداء، إذ وسط الشخصيات تشعر فجأة بجسدك وكأنك تؤدي من منظور جديد. وجدت نفسي أتساءل: ماذا تريد مني هذه الشخصيات؟ ماذا تتوقع؟ هذا الشعور بالترقب كان أكثر وضوحًا في اللحظات الهادئة، حين كنت واقفًا في فضاء فارغ ألوّح بيدي بينما يراقبني تقنيون غير مرئيين، وأشعر بغرابة جسدي وآليته.
كان من الغريب رؤية النساء الافتراضيات يشبهنني جسديًا (وبصراحة، شعرت بالإهانة من بعض السمات التي اختار النظام إبرازها — كم هو وقح هذا الذكاء الاصطناعي!). العرض يطرح ثنائيات الطبيعة والاصطناع، الخير والشر، في البيئة المحيطة وفي الشخصيات الست. النص الغنائي المليء بالصور الطبيعية يتناقض مع عناصر سريالية في العالم الغامر، وكل شخصية تقودني في مسار مختلف، وكأنها تعليق هادئ على العالم من حولنا والحالة الإنسانية.
أبرز اللحظات كانت تلك التي لا تعرف فيها إلى أين تذهب أو أي امرأة تتبع، فتضطر لاتخاذ قرار. وجدت نفسي أدور في حلقات، أحاول أن ألتقط بعيني كل ما يحدث حولي، وأراقب كل واحدة منهن. ماذا تعبر كل منهن في شبهها بي؟ ماذا تمثل؟ لماذا ربطت بعضهن بصفات إيجابية بينما شعرت أن أخريات يجسدن جانبًا مظلمًا، ربما يعكس مخاوفي الشخصية؟
هذا هو الإنجاز الدراماتورجي في “من الغبار”: إنه يتركك مليئًا بالأسئلة.
فهل يمكن حقًا نقل تجربة الأوبرا إلى الواقع الافتراضي؟ في حالة فان دير آا، حيث يلتقي تقليد مسرحي معروف بعدم واقعيته مع فضاء افتراضي شفاف، تبدو إمكانيات التحول واعدة بالفعل.
رويسين دالي طالبة ماجستير في الدراماتورجيا الدولية بجامعة أمستردام. طلاب برنامجي الماجستير في الدراماتورجيا الدولية ودراسات المسرح زاروا مهرجان هولندا وجرّبوا طرقًا مختلفة للتفكير في ما شاهدوه هناك. هذا المشروع تم تطويره بالتعاون بين منسقة البرنامجين ريكاردا فرانزن وقسم التعليم في مهرجان هولندا، ممثلًا بفلورا ديكرز.
كانت نقطة الانطلاق هي البحث عن طرق مناسبة لـ”رد الجميل” والتفكير النقدي بين الأكاديميا والممارسات المهنية المستقبلية كدراماتورجيين، بما يتلاءم مع العروض المقدمة. اختار الطلاب عرضين لكل منهم، جميعها كانت تجريبية ومتميزة: الفنان الأمريكي تراجال هاريل قدم صيغة “عمل قيد الإنجاز”، ميشيل فان دير آا خاض تجارب جديدة في الأوبرا والذكاء الاصطناعي، وكارولينا بيانكي التي حصدت جوائز عدة عن الجزء الثاني من ثلاثيتها حول قتل النساء والاغتصاب والعنف.