تشكل المهرجانات الدولية في مجال الفنون المسرحية فضاءات تتجاوز الطابع الفني البحت لتتداخل مع أبعاد دعائية وسياحية وثقافية. فهي منصات لإبراز الوجه الحضاري للبلدان المضيفة، كما أنها تسهم في صياغة صورة هذه البلدان في المخيلة العالمية. والعراق، الذي مر منذ عام 2003 بمراحل أمنية معقدة وتجارب سياسية واجتماعية صعبة، يجد في هذه المهرجانات فرصة حقيقية لتغيير الصورة النمطية المترسخة عنه. فالمجتمع الدولي ما زال ينظر إلى العراق بعيون محملة بموروث من القلق الأمني والانطباعات السلبية، وهو ما يفرض على الفاعلين الثقافيين، وعلى رأسهم المسرحيون، مسؤولية مضاعفة في نقل صورة مغايرة تستند إلى الواقع الراهن لا إلى الماضي المثقل بالأزمات.
لقد بات النشاط الثقافي في العراق نشاطا واعيا ومدروسا وأكثر نضجا، وهو ما تؤكده المهرجانات الكبرى التي أقيمت في السنوات الأخيرة، وفي مقدمتها مهرجان بغداد المسرحي الذي أصبح علامة بارزة في المشهد العربي، لما يحظى به من مكانة خاصة لدى المسرحيين العرب. إن مثل هذه التظاهرات لا تحقق بالضرورة جميع رغبات المسرحيين العراقيين، ولا تستطيع أن تفتح المجال كاملا أمام كل الأصوات والتجارب، لكنها تقدم نموذجا عن التجربة العراقية وتضعها في فضاء الاختبار والمقارنة ضمن السياق العالمي، من خلال العروض والجوائز والحوارات النقدية التي ترافقها.
ومن هنا يبرز السؤال الجوهري: كيف يستقبل المسرحيون العراقيون هذه المهرجانات الدولية؟ الإجابة لا تكمن في انتظار ما يقدمه المهرجان لنا فحسب، بل في كيفية تعاملنا معه. علينا أن نحتفي بهذه الكرنفالات الفنية بعيدا عن أجواء التشنج والتخوين وبعيدا عن الحسابات النفعية الضيقة. فالمشاركة، سواء جاءت على شكل عرض مسرحي كامل أو مساهمة جزئية أو حتى من خلال الحضور النقدي والمتابعة، تشكل في جوهرها جزءا من حركة ثقافية أوسع. إن الاحتفاء بالمهرجان يعني الاحتفاء بالمسرح العراقي نفسه، وبقدرته على الحضور في المحافل العربية والدولية.
المطلوب إذا أن ننقل الصورة الحقيقية للعراق كما نراها اليوم: عراق أكثر استقرارا، أكثر وعيا، وأكثر قدرة على إنتاج الفعل الثقافي. لسنا بحاجة إلى التجميل المصطنع ولا إلى الشعارات الدعائية، بل إلى إظهار الواقع الثقافي كما هو، بما يحمله من تحديات وإنجازات.
ان استقبال المهرجانات بروح إيجابية وفاعلة يمنح التجربة العراقية زخما متجدداويتيح لها أن تتطور وتترسخ كجزء أصيل من المشهد المسرحي العالمي.
ان المهرجانات الدولية في حقيقتها ليست مجرد منصات للعروض، بل هي امتحان لوعينا وقدرتنا على تقديم أنفسنا أمام الآخر. نحن كمسرحيين عراقيين مسؤولون عن أن نكون سفراء حقيقيين لثقافتناناقلين صورة واقعية عن عراق اليوم عراق ينهض بالفن كما ينهض بالحياة. ومن هنا فإن استقبال هذه المهرجانات لا يكون بالاعتراض أو التشكيك، بل بالاحتفاء والانفتاح والتفاعل الإيجابي ليبقى المسرح العراقي حاضرا نابضا ومعنيا بمستقبل الثقافة العربية والانسانية.