منذ أن أشرقت فاتحة الحُلم طبعتهُ الأُولىٰ في العام 1985 بتوقيع وإشهار مُنتدىٰ الأُدباء الشباب ( كنتُ عضواً في تصميم هيكليتهِ ولجنته التحضيرية، ومُخرجاً لأحد عروضهِ المسرحية)، وأضاءت كواكبهُ المُنتقاة بدرايةٍ وعناية ليالي بغدادنا الغالية، بل وزادتها سحراً علىٰ سحر، مروراً بطبعتهِ العربية تحت إشهار (مهرجان بغدآد للمسرح العربي خيمة للتضامن ووطن للإبداع )، تواصلاً مع طبعتهِ العالمية بعد 2003 بإشهار (مهرجان بغدآد الدولي للمسرح )، وُلِدَ هذا المهرجان الحُلم كضرورة تاريخية لمجتمع مدني مُتحضّر هو بأمسِّ الحاجةِ إليه في التجمهر الإيجابي ، في التنوير والتعليم وبهجة الفائدة …هذا من جانب ، ومن الضفًةِ الأُخرىٰ أضحىٰ هذا المهرجان حِلّية هامّة من حِلِي بغداد مركز العراق صورته المُشرقة وعاصمته الأبديّة، بغدآد الثقافة والجمال، هذه المدينة العظيمة، ثَبُتت في التاريخ وبإصرار وعناد تثبت في الحاضر، علىٰ الرغم من مخططات أحلآف الشر عبر جميع عصورها، لكنها عصيّة علىٰ شهوة التدمير والخراب بسبب روحها التوّاقة لكلِّ لافت ومُثير من قيم الجمال، هي قرّرت وتُقرّر أن تظلَّ قبلةً للحالمين عطاشىٰ الفكر والعلم والفلسفة والأدب، وجميع عناصر ومُحركات الثقافة الأُخرىٰ … بحيث صار هذا المهرجان وكما أردنا له أن يكون ، صار جسراً واثقاً رابطاً للتخاطب واللقاء للتعارف والتحاور والتفاعل مع جميع ثقافات العالم، وفرصة لا غنىٰ عنها للحوار المعرفي، تبادل الخبرات وسوق للنتاجات المسرحية، وتصدير ما تزخر به هذه المدينة من تاريخ عَلّم، وحاضر يتقدّم الخُطىٰ بذات الإرادة والتصميم، هذه المدينة التي (لم يُداعب غورها وترُ)، بغداد التي مهما اشتبكتْ عليها (الأعصُرُ إلآ ذَوَت)، وقدرها أن يبقىٰ أبدَ الدهر وريق عمرها أخضر، طريّ العود وزكيّ الرائحة، لن تتمكن من عنفوان روحه وعمق أصالته عرّبدة العواصف مهما تَفرعَنت أخطارها وجُنّت شدائدها…
ولكي تظلَّ هذه ال بغداد المُدهشة مَحجةً لكل القادمين المُنشغلين بالفن المسرحي صوب فَرادتها، لا بُدَّ من توفر إستعداد يُنجز المهمة، ورعاية بالدعم المالي المُعافىٰ، والإعلام المُنظم والمدروس بأهميته، لكي تبرز طبعات هذآ المهرجان – المؤسسّة، عروضاً مسرحية، وندوات ومحاور فكرية، وفعاليات مُجاورة بأبهىٰ حُلّة، حُلّة تليق بأُبهة وبهاء بغداد، شاغلة العصور، أُمُّ الدنيا وسيّدة البلاد، بغداد التي تأبىٰ أن تتخلىٰ عن مهمتها الإنسانية ودورها التاريخي في نشر المعرفة وصناعة الجمال …
ولآ بُدَّ للمعني والراصد والمتابع أن يستذكر ويشكر كل قلبٍ وعقلٍ وذراع وَهَبَ جهده من أجل عافية هذه الطبعة الجديدة من المهرجان، وأن يستبعد عن ذهنه أيَّ شكلِّ للخلافات الجانبية أيّاً كان سببها، والحَذر كل الحذر من تنامي نبرة التنافس السلبي، ميل ميزان العدل، هذه خصال لا تُثمر سوىٰ حرق الجهود البانية، تعكير صفو المِزاج، تَقبض ضوء الروح، وتُفسد أُوكسجين مناخنا المسرحي، إنما توجب علينا محبّة هذا العراق أن نُشرّع الباب واسعاً لحميميّة الرِفقةِ النبيلة، للتعاون والتسامح، ونسيان المصلحة الفردية، والفرح بإنجاز رفيق المهنة، لأن نجاح هذا المهرجان واستمراره بإنتظام طبعاته مُتميّزاً هو من مسؤولية جميع المسرحيين العراقيين، العاملين والمتعاونين معهم، أن نُصفّق لأيّ فكرةٍ تنهض بمستواه وتجعل من أوقاته ومفردات برنامجه محطة تكامل واحتفال، تتناغم وإيقاع سيّدة المدن بغداد …
فما مهرجان بغداد الدولي للمسرح إلّآ لمسة بهاء من أجلِ عراقٍ مدنيّ أجمل ، صورة مُتحضرة لبغداد الثقافة والفنون، للإصرار والعناد دفاعاً عن حياةٍ يسودها التسامح والعدل والحرية والتواصل مع الآخر، والعمل من أجل الطمأنينة والسلآم بين الشعوب.
*مُؤسّس ورئيس مُحترف بغداد المسرحي