المحتويات
في عرضٍ مسرحيٍّ استثنائي، قدّم الفنان الفرنسي المجري جوزيف ناج عمله “القمر الكامل” ضمن فعاليات مهرجان المسرح البديل الدولي (FIAT) في مدينة بودغوريتسا، مونتينيغرو، خلال سبتمبر 2025، قبل يومين فقط من حدوث خسوف كلي للقمر، في تزامنٍ رمزيٍّ عميقٍ مع مضمون العرض.

🌕 طقوس القمر والمسرح البديل
يستند العرض إلى فكرة أن المسرح ليس مجرد تعبير لغوي، بل هو فعل ثقافي واجتماعي وتنظيمي، كما وصفه تشيزاري موليناري، حيث ترتبط العروض المسرحية في العديد من الثقافات بتغير الفصول، وتُمارس كطقوس جماعية للاحتفال بالتجدد والبقاء.
في هذا السياق، يُستحضر القمر كرمزٍ للوعي الباطني، والدورات الأزلية، والانفعالات الجمعية، ليصبح الخسوف لحظة مواجهة مع الظلال الداخلية، حيث يُستدعى الرقص كفن غير لفظي قادر على التعبير عن هذه العوالم الخفية.
🎭 سينوغرافيا كونية
المسرح في “القمر الكامل” بسيط ومجرّد، تضيئه بقعة ضوء واحدة تُجسّد القمر، بينما يختفي ناج في الخلفية كمرشدٍ للرقص. هذه الإضاءة تصبح مركز الجاذبية، فيما تتحول الحركة على الخشبة إلى طقسٍ للتجدد، من الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الولادة.
كل حركة تحمل معنىً عميقًا، والرقص يصبح لغةً مكتفية بذاتها، حيث تقطع الحركات الهواء كالسيف، ثم تتحول إلى ريشةٍ تكتب مسار الطيران، أو قصةً تُروى بالجسد.
🩰 سبعة راقصين، سبعة أرواح
يؤدي العرض سبعة راقصين: تيموثي بالو، عبد القادر ديوب، أيبور فوندو، بي جان إرييه، جان بول ميهانسيو، ماريوس ساوادوغو، وبوكسون سيريه، حيث ينسجون حركاتٍ غير مغلقة، ويكسرون التزامن الجماعي بأساليبهم الفردية، ما يفتح فجوةً للصدق والفرادة، ويُنتج سحرًا دراميًا خاصًا.
🕯️ طقسٌ بين الماضي والمستقبل
يتنقل العرض بين الضوء والظلام، بين الطقس التقليدي والأداء المعاصر، ليكشف عن ذاكرة جمعية تتجلى في كل حركة، وتستدعي حضاراتٍ غابرة، وتُعيد تشكيلها بلغة الرقص الحديثة.
الرقص هنا ليس سردًا، بل عودة إلى البدء، إلى نبض الزمن في الأقدام، وإلى النفس الذي يشبه المد والجزر. الماضي والحاضر والمستقبل يتواجدون معًا، كحلقاتٍ في جذع شجرةٍ سقطت، كما يقول موليناري.
🧙♂️ ناج: الشامان المسرحي
يظهر ناج كمرشدٍ طقوسي، لا يشرح بل يستدعي، مستخدمًا اليد والريشة والقناع لفتح فضاءٍ للتجربة الفردية. يشبه في حضوره أليخاندرو خودوروفسكي، حيث يسعى إلى الحقيقة المقدسة عبر التحليل النفسي والطقوس الذاتية.
🎭 القناع: وجه الإنسان وظله
يلعب القناع دورًا محوريًا، كوسيلة للكشف والإخفاء، وكأداةٍ للسلطة. في البداية يرتديه ناج وحده، ثم يرتديه الجميع، في إشارة إلى اقترابهم من المقدّس. القناع هنا ليس زينة، بل روح، والراقصون وسطاء، ينقلون الطاقات والذكريات الجمعية.
🌍 العناصر الأربعة والجوهر الخامس
يتفاعل العرض مع الأرض والماء والهواء والنار، ليُنتج جوهرًا خامسًا أثيريًا. أجساد الراقصين تصبح فضاءً لفحص الحركات الجسدية والنفسية والعاطفية للعالم، وللحياة، ولنا جميعًا.
🔮 طقسٌ حيٌّ لا يُفسَّر
“القمر الكامل” ليس مسرحيةً تقليدية، بل طقسٌ خصبٌ للفن، وتجربةٌ يشارك فيها الجمهور، مواجهةٌ مع دورات الحياة، مع الأقنعة والوجوه، ومع ثقل الحضارات. يثبت ناج أن الرقص لا يزال أعمق أشكال المعرفة، لأنه يُعبّر عما هو أقدم من اللغة، وأقوى من الكلمات، ويظهر حين يُحجب نورنا الداخلي.
الرسالة الأخيرة: “القمر الكامل” لا يطلب تفسيرًا، بل حضورًا.
ترجمة وإعداد للنشر: موقع الخشبة
المصدر: The Theatre Times