قدم في مسرح المنصور عرضا افتتاحيا لمهرجان بغداد الدولي المسرحي بنسخته السادسة . عرض مسرحية ( مأتم السيد الوالد) – تأليف واخراج / مهند هادي . في هذا العرض ثلاث انطلاقات اخراجية تتشكل عبر تعقيبات ادائية تتبع كل يوم عزاء في المأتم – موضوع العرض – ، والمخرج عبر ذلك يخوض في سلسلة ادائية لا تنتهي الا بعد تجاوز تعقيبات المأتم في اليوم الثالث.

قد يرصد المتلقي ثقلا تكراريا ادائيا ، في نتاج الاداء التمثيلي نفسه ، وفي حركة دوران غرف المنزل ، التي تكشف عن ما هو مختبيء خلف الجدران بجدلية تكرارية عميقة وذكية .
ليس هذا التكرار ، الذي خلقه المخرج ( مهند هادي) سوى تأكيدا لتبنيه قصدية واعية داركة لمتحقق حقب زمنية ثلاث ، . اراد ان يفجر فيها موقفا ضجرا يوازي محتواها اللا منقطع ، والوقت الطويل الذي استغرقه العرض بما حمله من هذه الرسائل الواعية لم يكن مستنزفا لطاقة العرض – لا سيما ان ما جبل عليه اداء الممثلين واداء الممثلتين ، كان مدروساً جدا ، ويدرك الغاية المبتغى تحقيقها عبره . استطاع الممثلون ان يعزفوا على اوتار الازمة بدقة متناهية صوتية وحركية وحسية –
بل ونقول مونتاجية – عبر الدخول باداء مونتاجي ، لا تحققه الا سبل الميديا في الانتاج الفيدوي والصوري ، هذا العالم المصطنع الذي يتجلى بثقل الميديا عمل عليه الممثل في اداءه ، فهو يمنتج الاداء ذاتيا ، ويوصله الى مرحلة توقف عند صورة ما ، تمثل حالة ثبات اللقطة او الصورة ،
وبعد بلوغ مرحلة التمركز ، يعمل على تحرير الصورة من الموقف المنجمد المتحقق في سياقه الذي وصل اليه ، ليدخل في سياق اداء جديد ، مع قدرة وامكانية عالية في تأمل ذاته التمثيلية الاصيلة ليعود اليها في اللحظة المناسبة بانسيابية عالية ، تدرك امكانات هذه اللحظة التغريبية ، في نقد الموقف المنبعث من الذات ذاتها ، وانعكاس ذلك على المتلقي ، في ملازمة مدروسة بين الساخر والجاد ، .
عمد المخرج كذلك الى بلورة الاداء الجماعي الآني للموقف ذاته ، عبر توزيع ذراته بين طاقم التمثيل ، فتقوم الشخصيات برمتها باداء الشخصية ذاتها ، او ينقسم الاداء بين شخصتين ، عبر التحام الاصوات والاجساد.
يثير التداخل هذا فكرة الشراكة بالموقف ، واللا تمييز النقدي الاحتجاجي ، الذي يتضمنه العرض .
وقد شكل وجود شاشة العرض في وسط المسرح . وما قدمه فيها ممثل شخصية ( السيد الوالد) حضورا رهيبا ، كاد ان نقول عنه انه على الرغم من حضور الممثلين ادائيا بشكل مائز مثير ، الا انه مثّل نقطة مركزية مستفزة – في المُراقبة والتأمل – و البؤرة هذه تعمد على مركزة السخرية التي انطوى عليها العرض ، مستهدفاً واقعا ً راهناً متصاعداً بالوتيرة ذاتها ، لذا فانه المخرج بذكائه ، جعلها مفتتحا لعرضه ،
وتأكيد لخاتمته ، فالعرض يفتتح بخطاب ( السيد الوالد – المُتوفى) – ويختتم بخطاب ( السيد الوالد – المتوفى) وسخريته . وطرحه لرسالة اخيرة عميقة