هو الفلم الاكثر غرابة في طبيعة الأفلام الهندية التقليدية، حيث تعرض الى جملة من الأفكار الفلسفية الجديدة، والمتعلقة بطبيعة الانسان، والمطروحة بنسقٍ روائيٍّ جميلٍ، متقنٍ، وبليغٍ..
يكتشف المشاهد في مجمَّل لقطاته، كيفيّة التناغم ما بين المخرج العبقري “راجكومار هيراني” 1962 مع بطل الفلم القدير “عامر خان” 1965. يقوم الفيلم على حكايتين متداخلتين ، الأولى قصة “جاكي”، والثانية قصة “PK” في توصيل تلك الأفكار التي سوف تدفعنا الى إعادة النظر في المعلومات التي كنا نعرفها عن الفضاء، احداث خيالية، ولكنها على قدر كبير من التقارب مع الحقائق، والاكتشافات الجديدة حول عالم الفضاء. حصد على عدة جوائز منها “الاوسكار” على مستوى الاتقان، والمعرفة بدقائق ثقافية خصّت شعوباً عديدة، وخاصّة قضايا الدين. على الرغم من تصويره في “الهند” وبعض اللقطات في “بلجيكا”. حمل الفلم أكثر من رسالة، بعد أن تصدر شبابيك دور العرض. حوى الفلم على تفاصيل غطتها قصة حبّ غريبة بعض الشيء الا انها من بين اقوى قصص الحبّ المؤثرة في السينما العالمية على الاطلاق، قصة حبّ بين كائن فضائي يشبه الأنسان، وبين فتاة من كوكب الأرض. وعبر غرامه بها استطاع ان يكشف عن خفايا القصة الملتبسة التي فرقت ما بينها، وبين حبيبها الأول “سرفراز”. بعد ان اخترق افكارها بملكته التي لا يمتلكها انسان، وكشف لها أدق اسرار حياتها. بدلا من الفوز بها لنفسه اذ أغرم بها الى حدّ الهوس، ولكنه لم يستطع إخفاء الحقيقة او الكذب.
لقد شكل الفيلم “PK” تحوّلا جديّاً في تجديد الفكرة السابقة التي كنا نتعامل معها بشأن الفضاء الخارجي. وليس من الغرابة ان يشكل فليماً هندياً انطباعاً خاصاً لدى المتلقي، حتى ينسحب الى جمهرة من الاستنتاجات الجديّة والجديدة؛ وقد سبق وان قطعنا شوطاً كبيراً في آلية تفكير واحدة، وبقيت تدور في نطاق ضيّق لم يتخللها اية طريقة أخرى في التفكير سوى اننا نكمِّلها بما ورثنا من آلية، ولم نعهد ان نجرب الخروج من الفكرة السابقة نحو فكرة جديدة، ولم نفعل سوى اننا بقينا بذات الطريقة الواحدة في التفكير، وخاصة تلك الافكار التي لم تخرج عن الارض مركز هذا الكون بملايين مجراته، ومجهولة الواضح، ولم يشأ العقل تقبّل فكرة جديدة تزيح الفكرة القديمة، أو توسعها. كون قد أمتلأ خيالنا بالموروث، وبقيّ ذلك راسخا .. كأن لا أشياء ولا أفكار جديدة تحلّ محل الأفكار الجديدة، وكما يقول “هيغل” لا يزيح الجمال الا جمال أكثر جمالاً، وقد احتلت تلك الأفكار القديمة حتى على خيالنا، وقيدته، لإنها تتوالد من بعضها البعض بالقياسات نفسها، والعوالم نفسها التي سيطرت على خيالنا. حيث اننا لم نوسع في معرفة مداركنا تجاه ذلك الفضاء المتناهِ، الا وفق فكرة سابقة مفادها “الأرض مركز الكون” بآلية تشبه امتلاء القدح بالماء او بمادة اخرى، ولا يمكنه ان يحوي أخرى، ما لم يفرغ من يتطلع الى المادة البديلة، بعد امتلائها بأفكار بقيت متقاربة وفق ما تعلمناه، وباتت آلية تفكير واحدة، حيث بقينا نضيف الى القدح ذاته مادة اخرى مشابهة، وكأنما نكمل بنفس ما بدأنا به. دون ان نفرغه من المادة التي كانت تسبقه، وكانت نتيجة ذلك اننا بقينا محصورين في دائرة التفكير المتشابه، ما بين فكرة قريبة، واخرى تشبهها، ولم نحاول ان نجدد في نوعية تلك المادة المخزونة او الافكار التي كانت قبل ان يكتشف “غاليلو” بمنظاره الذي استفزَّ الكنيسة، وقبل بداية غزوّ الفضاء، وإطلاق علماء الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد السوفييتي سفينتيْ فضاء في وقتٍ واحدٍ، اذ بقيّ “مخيّالنا” ممتلئ بتلك الأفكار الجاهزة السابقة التي توارثناها عن اجدادنا، وصرنا ننطلق منها دون نخالفها لا في الشكل ولا في الجوهر، حيث لم يجرؤ احدا على مواجهتها حتى تتفكك، ونضع بديلا عنها، او فكرة جديدة وفق ما استجد من الفتوحات التكنلوجية، مادة اخرى ليس لها مسار جديد او أساس جديد.
قامت الممثلة الجميلة “أنوشكا شارما” بدور “جاكي” صحافية شابة هندوسية هندية، وتعمل في قناة تلفازية علمانية التوجّه؛ لتحكي عن قصة كتابها الجديد الذي وسمته ب “PK”، وما جرى لها معه. تحكي عن شخص غريب قادم من الفضاء بعد ان أضاع كنترول التحكم بمركبته التي وصل بها الى أهل الأرض. لم يختلف بشكله عن بقيّة البشر سوى وضوح كبر اذنيه بعض الشيء، وتقوّس حاجبيه دليلا عن الجديّة والتركيز، جاء لأجل اكتشاف طبيعة كوكب الأرض وسكانها، وتشابه طبيعة الكوكبين أيضا. وان الكائن الغريب لم يكن يستخدم اللغة اساساً، ويعتمد على طريقة أكثر رقياًّ من طرق البشر في التفاهم، وهي طريقة لغة الحسّ المباشر، والتخاطر. وتلك من بين أبرز النقاط التي تسجل لصالح فكرة الفيلم، فاللغة أداة توصيل بطيئة حسب اعتبار ذلك الكائن، وفي كوكبهم تمَّ تعطيل التفاهم بها، مثلما استغنوا عن الملابس، حيث لا يرتدي منهم أي ملابس تغطيه، كائنهم لا يخفي شيء، حيث لا تشابه طرق تعامله كما يتعامل الانسان. فاللغة وسيلة تظليل، تجعل منه يتعلم بطريقة التوارث، مثلما انسان يعلم انسان بوسيلة اللغة، وجعلت منه مظلل بين أفكار سابقة لم يخرج منها حيث مبتغاه.. اللغة ذاتها تدور في موضوع يطوره الآخر مستندا على الفكرة التي سبقته. والافكار متوالدة من بعضها، وكل فكرة جديدة هي امتداد لفكرة أخرى تشبهها، ولا شيء سوى التشابه في بناء تلك الافكار.
وان الاشارة في الفيلم التي تستحق الإشادة بفكرتها العظيمة السخيّة حتى تساعد المشاهد بالخروج من السياقات السابقة التي جعلته اللغة سجين اقواسها. كما لم يكن في طبيعة ذلك الزائر التعامل مع الأسماء البشرية.. أغلب الذين قابلهم من البشر صاروا يشتمونه عندما يستمعون اليه ولا يصدقون حكايته، بل ويشتمونه بكلمة “PK” التي تعني (سكران، معتوه)، وبقيت تلك الكلمة في ذهنه، وظننا منه ان تلك الشتيمة هي التي كانت اسمه بين البشر. وللكائن إمكانيات متطورة أخرى في التعلّم، تتطلب ان يلامس ساعد أي انسان، وينسخ ذاكرة من يلامسه، وما تحمل من تاريخ من الولادة حتى لحظة الملامسة بأدق الأشياء، ولم يكن أمامه من طريق الى إيجاد “كنتروله” سوى اللغة مع البشر. ولأسباب أخلاقية لم يجد أحد يقبل بتلك الملامسة الا تلك المرأة (المومس) التي أخذ عنها المعلومات التي تؤهله للتفاهم مع الانسان.
ثمة صفات وطبائع بعيدة كل البعد عما يَتَفَكّرْ به الانسان، حيث واجهته العديد من الصعوبات في التعامل مع البشر، وعهد كل فريق بشري يستعين بإلهة ويطلب منها المساعدة، حتى تعطيه بالمقابل مراده. وكانت “نيودلهي” هي أكثر مدينة في العالم تعدّ بمختلف العقائد الدينية، وراح يتعبد وفق طريقة كل فريق، وجعله ذلك يتنقل بين مختلف الفرق والنحل، من اجل يساعده بالاستدلال الى “كنتروله” الضائع. لكن ذلك لم يتحقق. ويلتقي بشخص مصادفة يراه شبيه الصورة المقدسة التي بين يديه، ظننا قدسيته، فيتتبعه حتى الحمام، وهناك يحاول ان محاصرته كي يحصل منه على جواب لسؤاله، ولم يكن ذلك الرجل سوى ممثل في “كومبارس” قد ارتدى تلك الملابس ليقوم بدور له، ولكن “PK” لا يعذره، مثلما أعطى للإله ، وقد ارتعب منه الممثل جراء تصرفه، وراح يركض هاربا من امامه حتى يتخلص منه، ولكنهما يدخلان معا الى قاعة فيها كاهن يشرح لاتباعه طبيعة احدى المعجزات. مفادها الحجر المقدس ذو الشعاع الازرق والذي سيحقق للناس ما يتمنون، ولم يكن ذاك الا الكونترول الذي ضاع منه، وكأنما الاله الذي لحقه هو جعله يصل الى تلك النتيجة. ولم يسمح له باستعادتها. لكنه اشتبك مع الكاهن في مناورة حوارية، أدت الى هزيمة الكاهن، حيث قام بالتهرب من الأسئلة المحرجة التي جوبه بها، وان ذلك الكاهن الداعية هو زعيم الطائفة التي تتبعها عائلة “جاكي”.
حيث كانت تراقبه بعد أن انقذته في مقطع سابق من قبضة محتال آخر، اذ وقع عليه حيف، مع معبد بعد ان وضع في صندوق التبرعات مبلغاً من المال، مقابل ان ترشده الى استعادة “كنتروله” الضائع، ولم تفعل له أي شيء، وعندما حاول استرداد نقوده من تلك الحاوية التي وضع فيها النقود، صاروا يتهمونه بالسرقة من صندوق الالهة، وعزموا على عقابه. ولكن “جاكي” كانت تراقبه من أجل ان تعمل معه لقاء يخص قناتها، التي تنجح في إنقاذه، وتضع محفظة نقودها خفيّة في تلك الحاوية، وتدعي انها سقطت منها وشهدت زورا لصف “PK” الذي كان يحاول مساعدتها في استعادة مالها. ولم تسلم تلك اللقطة من تأشير مباشر بشأن جشع الكهان، اذ سلبوا منها نقودها التي في المحفظة قبل يطلقوا سراحه.
وسوف يكون ذلك الكائن الغريب المساعد ل”جاكي” في تجاوز محنتها العاطفية القاسية، وإعادة تشكيل وتصحيح مسيرة حياتها بعد ان فقدت حبيبها الباكستاني الجنسية، حبيب حياتها، اثناء سنوات دراستها في “بلجيكا”، ومن المفترض ان تتزوجه، رغم ممانعة الأهل لاختلاف دينه ودين اهلها، وان ذلك الحلم لم يكتمل لسوء الفهم في تراتبية الأقدار السياسية، والتفرقة العنصرية بين الشعبين. بعد فشل قصة حبها تعود من “بلجيكا” الى بلدها مكسورة مقهورة، ممهورة بجرح كبير تسببهُ رسالة خاطئة تتلقاها يوم عقد قرانها، يخبرها بعدم المجيء وان علاقتهما قطعها الاختلاف في الانتماء الديني ما بين “مسلم ومسيحية”، قد وصلت من حبيبها ويطلب منها عدم الاتصال به. وعلى الرغم من تشابه هذه التفصيلية مع بقية الأفلام الهندية، الا ان هذا الفلم احتوى بقية تفاصيل ولم يحوّها الى أي فلم امريكي تعرضه “هوليود”، خاصة التي تركز على موضوعة اختلاف الأديان، ولكن الفتاة الجميلة تستطيع ان تستوعب الصدمة، وتعمل إعلامية تتابع قضايا عبر برنامج يؤهلها ان تناقش فيه الامور التي ليست بعيدة عن مسيرة حياتها السابقة، حول اختلاف الاديان الذي كانت تظنه السبب الاساس في نكستها، حتى تلتقي مصادفة ذلك الرجل “pk”، الذي بقيّ اسمه مع تصرفاته غريبا في كل شيء. فقد كان سيناريو الفيلم دقيقا للغالية، ونفذ باحتراف على كل المستويات حيث كانت تلك الشخصية الفضائية منشغلة بذلك الاكتشاف والمقارنة بين ما يدعي الانسان، وما يخفيه من تناقضات عديدة في كل ما حوله، وكأنه يسخر من ذلك كله. يحدث ذلك منذ اول نزوله الأرض، وهو القادم من المجرات الأخرى ليكتشف محتويات الأرض، ويتعرف أيضا الى طبيعة الكائن الأكثر شبها به من جميع الكائنات. وطبيعة توافقه بعدم تمكنه من الكذب الذي يتقنه البشر.
ويبرهن فليم “PK” ان الصدق هو اقصر الطرق واسرعها عندما ينتصر على “الكاهن” في رهان مقابل حصوله على “كنتروله المسلوب” في مواجهة تلفازية، يثبت كذب البشر عندما يدعي ان يكشف المستقبل، ولا حتى استشراف الماضي، ولا يمكن الانسان ان “يتصل” بالماضي، ويعيد النظر بمسارات الرؤية في مجريات العديد من الاحداث الحياة البشرية، والادعاء في اثبات ذلك عبر محاولة “اتصال بالرقم الخاطئ كما سماها”، لأن معرفته قاصرة، فالسمع وحده من “جاكي” عما جرى لها في الماضي، ليس هو الحقيقة الكاملة، وانما هناك عقبات أخرى لم تكن تعلم بها. لذلك فشل الكاهن عندما جعل من قصتها التي ظن بنفسه انه يعرفها جيدا. أراد ان يستخدم قصتها كنموذج يثبت به كقارئ للأفكار وعارف بالخفايا. ولكن “PK” لديه استشراف حقيقي، وان القصة التي سمعها عن “سرفراز” كانت من طرف “جاكي” فقط، وعلى وفق الخطأ الذي وقعت به، وتصيّر كحاجز بينهما. وكل ما رواه الكاهن بواسطة المَلَكَة التي يمتلكها كاذب وما هو الا مخادع يعيد عليهم ما سمعه منهم. وبعد التحقق من الطرف الآخر، شريك القصة؛ توضحت الحقيقة، اذ كان على الطرفين ان يواجها بعضيهما ويتجاوزا عزة النفس. وبعد ذلك الاثبات الحقيقي، يعود له “كنتروله” من اجل أن يعود بمركبته الى كوكبه، وهو يحمل معه قصة حبه للفتاة “جاكي” التي اشتركت معه بالصدق.
الفيلم طويل نسبيا وكان يتضمن مجموعة من المقطوعات الموسيقية مع اغاني ورقصات مبهجة، وكانت اغلب مشاهد الفيلم تجعل المشاهد يذرف دموعاً مدرارة، ليس كالبكاء الذي يعرفه البشر، ولكن البكاء الذي يعادل التصفيق اعجابا، بالجرأة والمعالجة والتوازن بين اللقطات، والتنقل المُقنع، كما لو بدت القصة حقيقية. والحديث عن براعة الاخراج يشمل أيضا عشرات الافلام الأخرى التي انتجها الممثل “”عامر خان”. والمتابع يعرف جيدا مسيرة الافلام الهندية التي تتطور من جيل الى آخر، ولها مسيرة مختلفة عما تقدمه “هوليود” ومدارسها، بعد ان قطعت السينما الهندية العظيمة شوطاً مختلفا في مسيرتها، عبر مدارس لها الكثير من الاعتبار في العالم، بعد ان عرفت بمناهجها الجدية والجديدة. ولها جوائزها الخاصة التي تنافس الجوائز العالمية.