الشخصيات
رئيس الجلسة: شخصية رسمية، يحاول أن يبدو محايدًا لكنه ضعيف أمام القوى الكبرى.
مندوبة أمريكا: باردة، متعجرفة، تمثل السياسة الأمريكية بموقفها الثابت في دعم إسرائيل والفيتو.
المندوب الإسرائيلي: ساخر، متغطرس، يبرر المجازر دائمًا بأنها “دفاع عن النفس”.
مندوب روسيا: غاضب، يعارض الموقف الأمريكي والإسرائيلي، يستخدم خطابًا حادًا.
المندوب العربي1: مندوب متحمس، ينفجر غضبًا في القاعة دفاعًا عن غزة.
المندوب العربي2: يميل إلى التردد، يخاف من تبعات المواقف القوية.
المندوب العربي3: ساخر، يؤمن أن “الاستنكار” وسيلة للهروب من ضغط الشعوب.
المندوب العربي4: منافق، يؤيد إصدار بيانات شكلية للتغطية الإعلامية.
مراسل1: صوته إنساني، يحاور مندوبة أمريكا، ينهار أمام قسوتها.
مراسل2: مندفع، يواجه المندوب الإسرائيلي بجرأة.
طفلة شبح1: تبحث عن الرحمة.
طفلة شبح2: كانت تحلم أن تصبح رسّامة.
طفل شبح3: يواجه الجميع بصرخة “أنتم تتكلمون ونحن نموت”.
أطفال آخرون (جماعة): أصوات جماعية تردد العبارات الرمزية (“نحن الدم… نحن التراب”، “من يوافق على الحياة؟”).
مساعدون، موظفو القاعة، مصورون، حرس: لملء المشهد الخلفي وإضفاء واقعية الحركة.
أصوات خارجية (القصف، بكاء أطفال، إنذارات، ضجيج الحشود)
المقدمة الراوي:
(صوت معتم، إضاءة خافتة على ستار مغلق. يُسمع دوي انفجارات بعيدة، وصراخ أطفال متقطع، ثم يخفت تدريجيًا. يدخل صوت راوٍ متهدج، عميق النبرة)
الراوي: في هذا العالم المزدحم بالموائد المستديرة، والأعلام المرفوعة، والكلمات المنمقة… تسيل دماء الأبرياء في شوارع ضيقة اسمها غزة.
هنا، حيث تختلط أنين النساء بضحكات الأطفال المذبوحة، تنعقد جلسات السياسة على جثث الصغار، وتُقاس الحقوق بميزان المصالح، وتُختصر المأساة في كلمة: فيتو. أما الوفود، فيأتون محملين بالخطابات الجاهزة… هذا يستنكر، وذاك يشجب، وثالث يلوذ بالصمت. لكن الحقيقة تبقى مدوية:
أنين طفلٍ جائع أصدق من كل بياناتهم، ودمعة أمٍّ تحت الركام أبلغ من كل خطاباتهم. الأيادي الوقحة… ليست دموع الضحايا، فهي أطهر من أن تُوصف بالوقاحة، بل دموع المتفرجين في قاعات القرار، الذين يتباكون على الشاشات، ثم يضحكون في الكواليس.
(إظلام تام، ثم صوت طرق بالمطرقة على الطاولة، يعلنه رئيس الجلسة: قرب افتتاح الجلسة يبدأ)
(يفتح الستار على قاعة واسعة مكتظة بقيادات سياسية، مندوبين أمميين، وعدسات كاميرات متأهبة. ضجيج متواصل: همهمات، خطوات سريعة، تقليب أوراق. على الجدران شاشات كبيرة تبث صورًا مباشرة من غزة: دخان، أنقاض، أطفال مذعورون. تتناوب الإضاءة بين القاعة وصور الدمار)
مراسل1: (يتقدم نحو مندوبة أمريكا، صوته متوتر) ما الذي تتوقعون من نتائج لهذه الجلسة المصيرية؟
مندوبة أمريكا: (ببرود، ترفع حاجبيها باستخفاف) كما في كل مرة… لا تغيير يُذكر. نطالب المجتمع الدولي بمزيد من الضغط على “حماس” للانسحاب من غزة.
مراسل1: (بغضب مكتوم) سيدتي… غزة والفصائل تُقصف ليلًا ونهارًا، تُسقط عليها آلاف القنابل الذكية… كل يوم!
مندوبة أمريكا: (تبتسم بسخرية) ومع ذلك… ما زال بعضهم على قيد الحياة. تخيّل!
مراسل1: (يرفع صوته، بإصرار) عدد الشهداء من الأبرياء ارتفع إلى أكثر من أربعين طفلًا وامرأة في الساعات الماضية!
مندوبة أمريكا: (تهز كتفيها بلا مبالاة) وما زال هناك ما يقارب المليوني شخص يتنفسون.
مراسل1: (يتقدم خطوة للأمام) الحصار والجوع يفتكان بالأطفال قبل الكبار!
مندوبة أمريكا: (بهدوء بارد، كأنها تتحدث عن تجربة مخبرية) هذا جزء من معالجة الوضع. نرمي المساعدات من الجو… يهرولون إليها… ثم نقصفهم.
مراسل1: (يتراجع، يضع يده على رأسه) وأين الرحمة في هذا كله؟
مندوبة أمريكا: (تنظر في عينيه مباشرة، بابتسامة متجمدة) لا وجود للرحمة في قاموس السياسة.
(صمت ثقيل. أصوات القصف من غزة تتعالى عبر مكبرات الصوت، فتغطي على ضجيج القاعة. المراسل ينظر إلى الشاشة المضيئة، دموعه تتساقط. يهمس بصوت متهدج)
مراسل1: أيادي… وقحة.
(تُخفت الأضواء تدريجيًا على القاعة، بينما تظل صور الدمار على الشاشة مضاءة بقسوة) (المشهد يتواصل – القاعة نفسها، الضجيج ذاته. الكاميرات تلتقط الوجوه المتوترة. يتحرك مراسل آخر بسرعة باتجاه مندوب إسرائيلي يجلس في الصف الأمامي، يلمع على صدره دبوس العلم الإسرائيلي. صور غزة على الشاشات تزداد وضوحًا: أنقاض، صرخات أطفال، دخان كثيف)
مراسل2: (بصوت قوي، يتحدى) سعادة المندوب، ما تعليقكم على التصعيد الأخير؟ آلاف الغارات على غزة، آلاف الضحايا المدنيين!
المندوب الإسرائيلي: (يجلس منتصبًا، يتكلم بنبرة واثقة متعالية) ما تقوم به إسرائيل ليس تصعيدًا، بل دفاع شرعي عن النفس. نحن نواجه منظمة إرهابية تختبئ بين المدنيين.
مراسل2: (بحدة) لكن الصور التي تراها الآن على الشاشات… أطفال تحت الركام، عائلات تُباد بكاملها! هل هؤلاء أيضًا إرهابيون؟
المندوب الإسرائيلي: (يهز رأسه، بابتسامة باردة) الأطفال يكبرون… وغدًا يصبحون مقاتلين. نحن نمنع الخطر قبل أن يولد.
مراسل2: (يقترب أكثر، صوته يرتجف بالغضب) إذن أنتم تعاقبون المستقبل؟!
المندوب الإسرائيلي: (ببرود معدني) نحن نُعيد صياغة المستقبل. غزة تحتاج أن تُطهَّر من ثقافة الكراهية.
مراسل2: (بصوت متهدج، يلوّح بيده نحو الشاشة) تطهير… تسمونه تطهيرًا؟ بينما يسميه العالم مجازر جماعية!
المندوب الإسرائيلي: (ينظر حوله إلى الكاميرات، بوجه مسرحي مصطنع) العالم يفهم… وسيأتي يوم يشكرنا فيه الجميع على ما نفعل.
(صمت ثقيل. فجأة يُسمع صوت انفجار مدوٍّ من مكبرات الصوت. الشاشة تُظهر جسد طفل يُنتشل من تحت الأنقاض. يلتفت المراسل مذهولًا نحو المندوب الإسرائيلي، الدموع في عينيه، ثم يصرخ)
مراسل2: أي وقاحة هذه؟ أي دموع هذه التي لا تخجل؟!
(تسود القاعة فوضى: مراسلون يصرخون، فلاشات الكاميرات تتوهج، ضجيج يتصاعد، فيما يبقى المندوب الإسرائيلي ثابتًا في مقعده، يبتسم ابتسامة باردة، كأن شيئًا لم يحدث)
(إظلام تدريجي… وتبقى على الشاشة صورة الطفل الشهيد، مضاءة وحدها، كأنها شاهد أخير على الحقيقة)
(القاعة ذاتها. ضجيج متصاعد، كاميرات تلاحق الوجوه. المراسلان يتراجعان قليلًا إلى الخلف، بينما ينهض مندوب روسيا من مقعده بعصبية، يلوّح بيده، وصوته يخترق القاعة. يقف بجواره مندوب عربي ملامحه متوترة، عيناه دامعتان وهو يطرق الطاولة بقبضته)
مندوب روسيا: (صوت جهوري) كفى! هذه ليست جلسة أمم متحدة، بل مسرحية عبثية! هل تسمي آلاف الجثث دفاعًا عن النفس؟!
المندوب الإسرائيلي: (ساخرًا، يفتح ذراعيه) نعم! دفاع عن النفس ضد أعداء يريدون محو وجودنا من الخريطة.
مندوبة أمريكا: (تقاطعه بنبرة صارمة) إسرائيل تمارس حقها المشروع. أنتم في موسكو… آخر من يحق له الحديث عن حقوق الإنسان.
مندوب روسيا: (بغضب، يضرب الطاولة) على الأقل نحن لا نقصف أطفالًا بحجة أنهم قد يصبحون مقاتلين!
مندوبة أمريكا: (تضحك ببرود، نظرة ازدراء) أنتم لا تفعلون؟! العالم يعرف تاريخكم جيدًا.
المندوب العربي: (ينفجر صارخًا، ينهض فجأة) وأنتم؟! من سيحاسبكم أنتم؟! دماء غزة تصرخ الآن… هل هذه دموعكم؟ الأيادي الوقحة…!
(صمت لحظة. الكاميرات تتجه كلها نحو المندوب العربي، صوته يرتجف لكنه يتابع بجرأة)
المندوب العربي: (بصوت متهدج) أكثر من مليون طفل محاصرون بلا ماء ولا دواء… نساء يُقتلن على الأرصفة، عائلات تُمحى بجرة صاروخ… وأنتم تجلسون هنا تساومون على الدم!
المندوب الإسرائيلي: (يضحك ضحكة جافة) دماؤكم أنتم وقود لسياساتكم الفاشلة. غزة مجرد ورقة على طاولة اللعب.
المندوب العربي: (يصرخ، يرفع يده نحو الشاشة حيث يظهر طفل يحتضر) هذه ليست ورقة… هذا وطن!
(القاعة تشتعل بالضجيج: أصوات متقاطعة، شعارات، احتجاجات. الميكروفونات تلتقط كلمات متقطعة: “عدالة”، “وقف المجازر”، “إرهاب الدولة”، “الفيتو”. فجأة، يدوّي صوت صافرة الإنذار داخل القاعة، فتهتز الأضواء كأن القصف وصل إلى الجلسة نفسها)
(إظلام تدريجي، لا يبقى سوى صدى صرخة الطفل على الشاشة: “ماما)
(القاعة الأممية. الضجيج السياسي يخفت فجأة. الأضواء تخفت، ثم تتحول إلى لون أحمر قاتم، كأنه انعكاس للدم. على الشاشات تظهر صور أنقاض وغبار. فجأة، يتسلل صوت طفل من بعيد، ضعيف، متقطع)
صوت طفل1: (هامس، مبحوح) ماما… عطشان.
(صمت ثقيل. المندوبة الأمريكية تتجمد في مكانها، المندوب الإسرائيلي يشيح بوجهه نحو الكاميرات متوترًا. الكاميرات تدور في القاعة ببطء. يتبع الصوت الأول أصوات أخرى، تتصاعد تدريجيًا)
صوت طفلة: (ببراءة موجوعة) خبز… أريد خبزًا.
صوت طفل2: (بكاء مكتوم) لعبتي ضاعت تحت البيت… هل سيعود بيتنا يا أبي؟
صوت جماعي: (أطفال معًا، باهت) لماذا… لماذا… لماذا؟
(في هذه اللحظة، تظهر على المسرح شخصيات أشباح لأطفال، ثيابهم ممزقة، وجوههم مغبرة بالرماد. يتقدمون بين صفوف المندوبين، يمشون ببطء كأنهم لا يلمسون الأرض. الكاميرات تلتقط وجوه السياسيين المذعورة)
طفل شبح 1: (ينظر مباشرة إلى المندوبة الأمريكية) قلتي… لا رحمة في قاموس السياسة. أين نبحث عن الرحمة إذن؟
طفلة شبح2: (تقترب من المندوب الإسرائيلي) قلتم… نحن نكبر لنصبح مقاتلين. لكنني كنت أحلم أن أصبح رسّامة… فهل ريشتي سلاح؟
طفل شبح3: (يلتفت إلى جميع المندوبين) أنتم تجتمعون… تتحاورون… تصرخون… ونحن نموت بصمت تحت الركام.
(المندوب العربي ينهض متأثرًا، يضع يده على قلبه، لكن الكلمات تخونه. المندوب الروسي يخفض رأسه. المندوبة الأمريكية تشيح بعينيها، والمندوب الإسرائيلي يضحك ضحكة عصبية، لكنها ترتجف في نهايتها)
صوت جماعي للأطفال (أشباح): (ببطء، كترنيمة جنائزية) نحن الدم… نحن التراب… نحن الدموع… الأيادي الوقحة… دموعكم أنتم.
(تطفأ جميع الأضواء فجأة، ولا يبقى سوى بقعة ضوء صغيرة على جسد طفل ممدد في منتصف المسرح، تحيط به دموع الأطفال الأشباح كدائرة. يُسمع آخر صوت همس)
صوت طفل أخير: (كأنه يذوب) لا تنسونا…
(إظلام كامل. صمت مطبق، كأن المسرح نفسه فقد أنفاسه)
(القاعة نفسها. تعود الأضواء ببطء بعد الصمت المخيف. رئيس الجلسة يقف خلف منصة عالية، يطرق بمطرقته ثلاث مرات. الضجيج يخفت تدريجيًا. المندوبون يجلسون متوترين، الأشباح اختفت، لكن أثرهم يظل حاضرًا كظل ثقيل يخيّم على المكان)
رئيس الجلسة: (بصوت رسمي، متردد قليلًا) حضرات السادة… لقد آن أوان القرار. نصّ القرار المعروض أمامنا واضح: وقف إطلاق النار فورًا في غزة، انسحاب القوات، وفتح ممرات إنسانية عاجلة (يتوقف لحظة، ينظر إلى الأوراق، يتنفس بعمق) فلنبدأ التصويت.
(تُرفع الأيادي واحدة تلو الأخرى. كاميرات القاعة تتابع بدقة: روسيا، الصين، دول أوروبية، دول عربية، إفريقيا، أمريكا اللاتينية… الأيادي ترتفع سريعًا. موجة من الارتياح تعبر وجوه المراسلين. صوت خافت من بين المقاعد: “أخيرًا)
رئيس الجلسة: (بصوت أعلى، متحمس قليلًا) الأغلبية الساحقة… نعم.
(صمت قصير. تتجه العيون نحو الطاولة التي تجلس عندها المندوبة الأمريكية، بجوارها المندوب الإسرائيلي. كلاهما ساكن كتمثال. ثم ببطء، ترفع المندوبة الأمريكية يدها، إصبعها ممدود بثبات جليدي)
رئيس الجلسة: (يتلعثم، صوته يخفت) الولايات المتحدة… ضد.
المندوبة الامريكية: الحرب مستمرة
(همهمة صاخبة تنتشر كالنار. تتوجه الأنظار إلى المندوب الإسرائيلي، الذي يبتسم ابتسامة باردة ويرفع يده بدوره)
رئيس الجلسة: (بخوف داخلي يحاول إخفاءه) إسرائيل… ضد.
(بعض الدول الصغيرة ترفع أياديها مرتبكة، تضامناً مع القرار الأمريكي. عددهم قليل، لكن وقعهم ثقيل. رئيس الجلسة يطرق بمطرقته مرة أخرى، وجهه شاحب)
رئيس الجلسة: النتيجة… الأغلبية مع القرار. لكن… (يصمت، يحدّق في الأوراق كأنه لا يريد النطق) لكن القرار… سقط.
(القاعة تشتعل. صراخ، احتجاجات، صحفيون يركضون، أوراق تتطاير. المندوب العربي ينهض غاضبًا، يصرخ بصوت مبحوح)
المندوب العربي: (يصرخ) أي قانون هذا؟! أي عدالة هذه؟! قرار بأصوات العالم كله يُدفن بفيتو واحد! أهذه الأمم متحدة… أم أمم مفككة؟!
المندوب الروسي: (يضرب الطاولة) هذا ليس فيتو… هذا رصاصة في صدر العدالة!
مراسل1: (بصوت عالٍ وسط الفوضى) التاريخ يسجل… الفيتو الأمريكي… جريمة جديدة!
(تتعالى أصوات الأطفال الأشباح من جديد، همسات باهتة من زوايا القاعة، كأنها تأتي من تحت الركام)
أصوات الأطفال: (هامسة، متقطعة) نحن… الأيادي المرفوعة حقًا… نحن الذين لا صوت لنا…
(المندوبة الأمريكية تقف، تجمع أوراقها ببرود، وتقول بلهجة حاسمة أمام الكاميرات)
مندوبة أمريكا: (بابتسامة جليدية) انتهى الأمر. الحرب مستمرة.
(إظلام تدريجي. على الشاشة الكبيرة يظهر مشهد أخير: طفل يحمل بيده المكسورة راية بيضاء صغيرة ملطخة بالدم. يرفعها عاليًا وسط الدمار… ثم تسقط الراية ببطء على الأرض)
(القاعة نفسها بعد انفضاض الجلسة. المقاعد فارغة تقريبًا، إلا من زاوية يجلس فيها الوفد العربي. الأضواء باهتة، كاميرات قليلة ما زالت ترصد، لكن الجو مشبع بالهزيمة. يلتفت المندوبون العرب لبعضهم، يتحدثون بوجوه شاحبة لكن بلهجة متكلفة)
المندوب الأول: (متنهدًا) إذن… انتهى كل شيء. القرار سقط. والفيتو سحق أصوات العالم. ماذا نقول لشعوبنا؟
المندوب الثاني: (يهز كتفيه بلا مبالاة) نقول لهم ما اعتادوا سماعه… نستنكر.
المندوب الثالث: (مذعور قليلًا، يهمس) استنكار؟! ألا تخافون؟ ماذا لو أغضبنا أحدًا بكلمة؟!
المندوب الرابع: (يضحك بخبث، يربت على كتف الثالث) اطمئن… الاستنكار عندنا مثل الهواء… لا يقتل أحدًا.
المندوب الثاني: (بتهكم) الاستنكار عندنا مثل ختم جاهز… نضعه على كل مصيبة وننام مرتاحين.
المندوب الأول: (بجدية مصطنعة) لكن الشعوب غاضبة! ينتظرون منّا فعلًا حقيقيًا.
المندوب الرابع: (ساخرًا، يلوح بيده) فعلنا الحقيقي هو الاستنكار. ندينه بحرارة، نشجبه بقوة، ثم نرفع الجلسة بسلام.
المندوب الثالث: (يتردد) لكن… ألن يكتشفوا أن هذا الاستنكار مجرد مسرحية؟
المندوب الثاني: (بضحكة عالية) مسرحية؟! وهل شعوبنا لا تعرف أننا ممثلون بارعون منذ عقود؟!
(يصمتون لحظة. ثم يتبادلون النظرات، ويهزون رؤوسهم موافقين، كأنهم وصلوا إلى “الحل العظيم)
المندوب الأول: (يرفع يده كأنه يعلن قرارًا رسميًا) إذن اتفقنا… نصدر بيان استنكار عاجل.
المندوبون جميعًا: (بصوت واحد آلي) نعم… استنكار.
(صمت قصير. فجأة يتعالى ضحك ساخر جماعي، ضحك متواصل، مبالغ فيه، حتى يتحول إلى هستيريا. الإضاءة تتحول إلى لون أصفر باهت، كأنها مصابيح باهتة في سيرك رث. يظهر على الشاشة الكبيرة خلفهم نص عريض باللون الأحمر: “بيان عاجل: الوفد العربي يستنكر)
(الضحكات تتلاشى شيئًا فشيئًا، ويحل صمت ثقيل. وجوه المندوبين العرب تتحول إلى أقنعة جامدة، بلا ملامح، كأنها تماثيل صماء. يتردد صوت أطفال غزة من بعيد، ساخرًا وموجعًا في آن)
أصوات الأطفال: (هامسة ساخرة) استنكروا… اشجبوا… نحن نموت وأنتم تتسلون بالكلمات.
(إظلام تام. تسقط ستارة سوداء ببطء، كأنها كفن يغطي المسرح كله)
(القاعة الأممية، فارغة بعد انسحاب الوفود. أوراق متناثرة على الطاولات، أعلام مقلوبة، مقاعد شبه مظلمة. فجأة، صوت صفير رياح باردة يملأ المكان. الأضواء تتحول إلى لون رمادي باهت، كأن المكان مقبرة حجرية)
(تُفتح الأبواب الجانبية ببطء. يدخل أطفال غزة الأشباح واحدًا تلو الآخر، وجوههم شاحبة، ثيابهم ممزقة، يحمل بعضهم حقائب مدرسية محترقة، وآخرون دمى مكسورة. يتقدمون نحو مقاعد المندوبين، يجلسون عليها في صمت مهيب)
طفلة شبح: (تجلس على كرسي مندوبة أمريكا، تضع دميتها المحترقة أمامها، بصوت خافت) هنا كنتم تتحدثون عن السياسة… أما نحن فحديثنا عن الموت.
طفل شبح: (يجلس على كرسي المندوب الإسرائيلي، يضع دفترًا مرسومًا عليه بيت صغير) قلتم “حق الدفاع”… وأنا كنت أرسم بيتنا قبل أن يهدموه، ومفتاح بيتنا في القدس عند ابي.
طفلة أخرى: (تجلس على كرسي أحد المندوبين العرب، بصوت ساخر موجوع) وقلتم… استنكار. هل تعرفون أن الاستنكار لا يُشبع جائعًا ولا يوقف قصفًا؟
(يصمت الجميع. الأطفال يجلسون في أماكن المندوبين، كأنهم برلمان جديد. الكاميرات ما زالت تعمل، لكن تبث وجوه الأطفال فقط. يرفع أحد الأطفال يده ببطء، كما في التصويت)
طفل شبح: (بصوت عالٍ، حاسم) من يوافق… على الحياة؟
(ترتفع أيادي الأطفال جميعًا، ببطء، في مشهد صامت مؤثر. ثم ينظرون نحو الجمهور مباشرة، كأنهم يسألونهم)
الأطفال جميعًا: (بصوت واحد، متهدج) ومن يملك حقّ الفيتو… على أحلامنا؟
(صمت ثقيل. الأضواء تنطفئ فجأة. تظهر على الشاشة الكبيرة صورة وحيدة: أحذية أطفال صغيرة متناثرة بين الركام. يدوّي صوت بكاء طفل بعيد جدًا… ثم صمت مطلق)
(إظلام كامل. الستارة تهبط ببطء شديد، ككفن أسود يغطي المسرح)