أمنية واحدة تكفي – نص : ياسر عبد الصاحب البراك

الشخصيات :

– أحمد : طفل في العاشرة من العمر .

– ماجد : طفل في الحادية عشرة من العمر .

– العفريت : شخصية أسطورية طيبة .

– عفاريت صغار : أبناء العفريت .

– المعلم : في حوالي الأربعين من العمر .

– تلميذ 1 : في الثانية عشرة من العمر .

– تلميذ 2 : في الحادية عشرة من العمر .

– مجموعة تلاميذ : من أعمار مختلفة .

المنظر :

 ( غابة واسعة متشابكة الأغصان ، أصوات طيور وحيوانات مفترسة ، الجو فيه مسحة من الظلام على الرغم من أن الحدث يدور أواخر النهار، يدخل أحمد وماجد وهما تائهان ومتعبان ، يتحسسان طريقهما بصعوبة ، مع ارتفاع أصوات الحيوانات المفترسة يزداد خوفهما ) ..

أحمد    :         آه.. لقد تعبت من المشي .

ماجد    :         وأنا تعبت من الجوع والعطش ، ما هذه الورطة التي وقعنا فيها .

أحمد    :         ( منفعلاً ) هذه نتيجة من يسير وراءك من دون تفكير ، كيف نجد رفاقنا الآن؟

ماجد    :         ما ذنبي أنا ، أنت من طاوعني ووافقني على لعبة الإكتشاف ، ولولا موافقتك على الدخول في الغابة لما حصل ما حصل .

أحمد    :         كنت أظن أنك تعرف دروب الغابة جيداً ، ولم أفكر أننا سوف نتيه عن رفاقنا .

ماجد    :         لقد حصل ما حصل وعلينا أن نجد الطريقة المناسبة للخروج من هذه الورطة .

أحمد    :         :   لقد تعبت من المشي طوال النهار ، سأستريح بالقرب من هذه الشجرة الكبيرة .

ماجد    :         الجلوس ليس في صالحنا ، سيحل الليل قريبا وقد تخرج إلينا الحيوانات المفترسة .

أحمد    :         ( خائفاً ) ماذا تقول ؟

ماجد    :         ألا تسمع أصواتها ، ربما هي تستعد لافتراسنا .

أحمد    :         إنني خائف .

ماجد    :         وأنا كذلك .

أحمد    :         وماذا نعمل الآن؟

ماجد    :         إسترح أنت قليلاً ، وسأبحث في المكان عن طريق يؤدي إلى خارج الغابة .

أحمد    :         ( جالساً قرب الشجرة ) لا تبتعد عني .

ماجد    :         لا تخف ، لن أبتعد.

أحمد    :         حسناً .

ماجد    :         ( متفحصاً المكان ) لا يبدو أن هناك مخرجاً ، الليل سوف يحل قريباً ، ونحن تائهان ، يا لها من سفرة مشؤومة ، لا أعرف كيف يفكر أصدقائي الآن ، ولا أعرف ماذا يفعل مُعلمي عندما يشعر بغيابنا عن بقية التلاميذ .

أحمد    :         ماجد ، ألم تجد طريقاً ؟

ماجد    :         كلا يا أحمد ( يعود إلى جانب الشجرة الكبيرة يصطدم بشيء ما على الأرض ) آه .. ما هذا الذي كاد يُوقعني على الأرض؟

أحمد    :         إبتعد قليلاً لأرى .

ماجد    :         إحذر يا أحمد فالغابة فيها الكثير من الأسرار .

أحمد    :         لا تخف ، إنني حذر .

ماجد    :         ربما يكون فخاً تركه أحد الصيادين لصيد الحيوانات .

أحمد    :         ( يبحث في الأرض ) إنه شيء يشبه الحديد ، وهو مدفون .

ماجد    :         ( مازحاً ) قد يكون كنزاً .

أحمد    :         يا لخيالك الكبير .

ماجد    :         ليس خيالاً ، ولكنني سمعت الكثير من الحكايات التي تقول بوجود كنوز مدفونة في الغابات ، لماذا لا يكون هذا الشيء واحداً منها ؟

أحمد    :         ( وهو يحفر بغصن شجرة ساخراً ) إذا كان كنزاً فسوف نتقاسمه معاً .

ماجد    :         ( مُصدقاً ) حسناً ، اتفقنا .

أحمد    :         ( ساخراً ) اتفقنا .

ماجد    :         دعني أُساعدك في الحفر ( يبدأ الحفر ) .

أحمد    :         إننا نُضيّع وقتنا هنا .

ماجد    :         ( مُنهمكاً ) اصبر قليلاً .

أحمد    :         ربما تُراقبنا الحيوانات المفترسة ونحن لا نعلم .

ماجد    :         هذا جائز .

أحمد    :         ( صارخاً ) إذن ما فائدة الكنز بعد أن نُصبح طعاماً للحيوانات المفترسة ؟

ماجد    :         لا تكن جباناً يا أحمد ، اصبر قليلاً .

                    ( يُخرج من الأرض مصباحاً قديماً )

أحمد    :         ما هذا ؟

ماجد    :         مصباح ، إنه مصباح قديم .

أحمد    :         وماذا يفعل هذا المصباح هنا ؟

ماجد    :         ربما يكون مصباحاً سحرياً ، مثل مصباح علاء الدين .

أحمد    :         مصباح علاء الدين السحري مجرد حكاية نراها في أفلام الكارتون .

ماجد    :         بل هي حقيقة وها أنت ترى ، لقد أصبح مصباح علاء الدين في أيدينا .

أحمد    :         أرني إياه .

ماجد    :         انتظر ، دعني أُنظفه من التراب ..

                    ( يدعك المصباح محاولاً تنظيفه )

أحمد    :         كن حذراً يا ماجد .

ماجد    :         لا تخف .

                    ( يواصل دعك المصباح ، فجأة يظهر صوت غريب يسقط المصباح على الأرض يبتعد الاثنان إلى جانب الشجرة ، يظهر دخان من المصباح ، يخرج العفريت ، يختفي الاثنان خلف الشجرة ، العفريت يتمغَّط ، يُمارس بعض الألعاب الرياضية ، لحظة ، ينتبه للمكان فلا يجد أحداً ، يُنادي .. )

العفريت :         سيدي .. سيدي ، أين أنت ؟

أحمد    :         ( خائفاً ) ماذا فعلت يا ماجد أنت تُخرجنا من ورطة وتُدخلنا في ورطة جديدة .

ماجد    :         لا تخف ، إنه عفريت طيب ، كما في حكاية علاء الدين والمصباح السحري .

أحمد    :         ليته يكون كذلك.

العفريت :         ( يبحث في المكان ) سيدي ، أو سيدتي ، لا فرق ، أين أنت؟

أحمد    :         إنه يبحث عنا .

العفريت :         سيدي ، لماذا دعوتني إذن ، لماذا تختبئ خلف الشجرة ، إظهر وبان وعليك الأمان .

ماجد    :         إنه عفريت ذكي ، لقد عرف بمكاننا ، لنتحدث معه .

أحمد    :         احذر يا ماجد قد يكون عفريتاً شريراً .

العفريت :         لستُ عفريتاً شريراً يا سيدي .

أحمد    :         ( مُستغرباً ) آه .. لقد سمعني .

العفريت :         ورأيتكما منذ البدء ، لكنني حاولت أن أمازحكما .

ماجد    :         ألم أقل لك أنه عفريت طيب ؟

العفريت :         شكراً لك يا سيدي لأنك دعوتني أخيراً ، لقد مللت الجلوس داخل المصباح .

أحمد    :         إنه عفريت فعلاً ، كما في حكاية علاء الدين والمصباح السحري .

ماجد    :         ألم أقل لك ، عفريت طيب وسيحقق كل أمانينا .

أحمد    :         رباه ، هل نحن في حلم ، أم في يقظة ؟

ماجد    :         بل في يقظة ، وها هو العفريت أمامنا .

العفريت :         ( منحنياً أمامهما ) شبيك لبيك عبدك بين يديك .

ماجد    :         ( فرحاً ) أرأيت يا أحمد ، كما في الحكاية .

أحمد    :         أنا لا أصدق ما يجري أمامي .

ماجد    :         بل صدق .

العفريت :         شبيك لبيك عبدك بين يديك .

ماجد    :         اسمع أيها العفريت الطيب ، هل تستطيع أن تحقق جميع أمانينا ؟

العفريت :         ثلاث أمنيات فقط .

أحمد    :         ماذا ، ثلاث أمنيات ؟

العفريت :         نعم يا سيدي ثلاث أمنيات ، وعليكما أن تتصرفا على هذا الأساس .

ماجد    :         ( فرحاً ) أنا سآخذ أُمنيتين .

أحمد    :         وتترك لي أمنية واحدة ، لماذا ؟

ماجد    :         أنا من عثر على المصباح أولاً .

أحمد    :         يا لك من أناني ، ألم نتفق على أن نتقاسم الكنز سوية ؟

ماجد    :         هذا صحيح ، لكننا لم نجد كنزاً ، بل وجدنا مصباحاً سحرياً .

أحمد    :         ولكن ، ألا يُعدّ المصباح السحريّ من الكنوز ؟

ماجد    :         لنحتكم إلى العفريت ، فقد نجد عنده الجواب المناسب .

العفريت :         ( ضجراً ) كفاكما شجاراً أيها السيدان الصغيران واطلبا أمانيكما الثلاث بسرعة .

أحمد    :         ( موجهاً الكلام لماجد ) حسناً سأكون أكثر كرماً منك وسأكتفي بأمنية واحدة .

ماجد    :         وأنا سأجعلك تشاركني إحدى الأمنيتين، أيها العفريت نحن جائعان، اجلب لنا ما لذَّ وطاب من الأكل والمشروبات .

العفريت :         سمعاً وطاعة يا سيدي .

                    ( يختفي العفريت سريعاً )

أحمد    :         يا لك من مغفل، كيف تفرط بإحدى الأمنيتين بهذه السهولة ، ما نفع الأكل والشراب ونحن تائهان وسط الغابة المليئة بالحيوانات المفترسة ، ألم تفكر بالخروج من الغابة ؟

ماجد    :         لا عليك يا صديقي فمازالت لدينا أمنيتان واحدة لك والأخرى لي.

أحمد    :         لديك أمنية واحدة ، لا شأن لك بأمنيتي .

ماجد    :         حسنا .

                    ( يظهر العفريت ومعه عدد من العفاريت الصغار وهم يحملون أطباقاً كثيرة من الطعام )

العفريت :         شبيك لبيك عبدك بين يديك، تفضل يا سيدي ما لذَّ وطاب من الطعام والشراب .

ماجد    :         شكراً لك أيها العفريت الطيّب .

أحمد    :         ومن هؤلاء؟ (مُشيراً إلى العفاريت الصغار)

العفريت :         إنهم أولادي ، العفاريت الصغار ، يساعدونني في تلبية أمنيات أسيادي .

ماجد    :         ( بفضول ) وهل يمتلكون القدرة على تحقيق الأماني مثلك ؟

العفريت :         عندما يكبرون يا سيدي .

أحمد    :         يا للطرافة ، ولكن هل تستطيع أن تُخرجنا من الغابة أيها العفريت ؟

العفريت :         بكل سرور ، إذا شئتما يا سيديَّ ، فمازال لديكما أُمنيتين .

أحمد    :         ولكنني لا أريد أن أفرّط بأمنيتي الوحيدة بسهولة .

العفريت :         أنت حرٌّ يا سيدي ، أنا رهن إشارتك ما دمت تملك حقَّ الأمنية .

ماجد    :         ( يأكل بشراهة ، ثم يُخاطب العفريت بفضول ) عندما تُحقق ما تبقى من أمنياتنا ماذا ستفعل ؟

العفريت :         أعود إلى المصباح في انتظار سيدي الجديد .

أحمد    :         ومن هو سيدك الجديد ؟

العفريت :         الذي يملك المصباح .

ماجد    :         ولكننا نحن الاثنان من يملك المصباح ؟

العفريت :         ( ضاحكاً ) يبدو أنكما لا تعرفان قوانين عملي في المصباح .

أحمد    :         وما هي قوانين عملك ؟

العفريت :         سيدي أنا أظهر إلى الوجود كل مائة عام لأحقق ثلاث أمنيات لمن يملك المصباح ، بعدها أعود إلى غفوتي بداخله مُنتظراً انقضاء مائة عام أخرى ، وهكذا دواليك .

ماجد    :         يعني أنك تُصبح عديم الفائدة بعد تحقيق الأمنيات الثلاث ؟

العفريت :         تستطيع أن تقول ذلك .

أحمد    :         يا إلهي ، حتى العفاريت لها ” أكس باير ” !!

ماجد    :         ( يواصل الأكل بشراهة ) هيا يا أحمد كُل ما دُمنا لا نزال نملك أمنية لكلِّ واحد منا .

أحمد    :         (يأكل بتأنٍ ، بينما يواصل ماجد الأكل بشراهة ) ، ألا تأكل معنا أيها العفريت ؟

العفريت :         ( مُشرفاً على مائدة الطعام ) أنا في خدمتكما يا سيِّدَيَّ ، أنا عبدكما ولا يجوز لي الأكل معكما .

ماجد    :         ( فرحاً ) يا للطرافة .

                    ( يستمر الاثنان في الأكل ، بينما تقوم العفاريت الصغار بخدمتهم ، عفريت صغير يقدم طعاماً خاصاً لأحمد ) ..

أحمد    :         شكراً لك أيها العفريت الصغير ، ما اسمك ؟

                    ( العفريت يهز رأسه بعدم المعرفة )

ماجد    :         ( فمه مليء بالأكل ، يضحك بقوة ) ها ..  ها .. ها .. كم أنت مرح يا أحمد ، اسمه عفريت طبعاً ، وهل عمرك سمعت أن للعفاريت أسماءً مثلنا، ها.. ها.. ها .. ( تقف اللقمة في بلعومه )  ماء ..  ماء .. ماء ..

                    ( العفاريت الصغار يتراكضون لجلب الماء )

أحمد    :         ما بك ؟ كأنك لم ترَ الطعام منذ سنوات .

ماجد    :         ( بعد أن ينتهي من شرب الماء ) آه .. كدت أموت .

أحمد    :         لقد أكلت الكثير يا ماجد كفى ، سوف تُصاب بالتُّخمة .

ماجد    :         لم أذق طعاماً شهياً في حياتي مثل هذا .

أحمد    :         أتقتل نفسك مقابل شهية الطعام ؟

ماجد    :         لا عليك ، سأطلب من العفريت أصنافاً جديدة .

أحمد    :         ولكن …..

ماجد    :         أيها العفريت .

العفريت :         ( بسرعة خاطفة ) شبيك لبيك عبدك بين يديك .

ماجد    :         إذا طلبت أصنافاً جديدة من الطعام ، هل يدخل هذا ضمن الأمنية الأولى أم الثانية ؟

العفريت :         كلا يا سيدي يدخل ضمن الأمنية الأولى ، لأنها أمنية في الطعام والشراب وقد حققتها لك .

ماجد    :         ( فرحاً ) حسناً ، اجلب لي أصنافاً جديدة من الطعام ، ولا تنسى الحلويات .

العفريت :         سمعاً وطاعة ..

                    ( يتحرك العفريت مع صغاره لجلب أصناف جديدة من الطعام )

ماجد    :         ( يستمر بالأكل ، بينما يكتفي أحمد بالقليل ) يا له من طعام شهي ، كُلْ يا أحمد ، كُلْ ..

أحمد    :         كفى يا ماجد سوف تمرض بهذه الطريقة ، ستصاب بالتخمة.

ماجد    :         لو أن العفريت يزيد من الأمنيات لطلبت الكثير من الأشياء .

أحمد    :         لا تكن طماعا لقد قال لك ثلاث أمنيات فقط ، وها أنت أضعت أمنية بالطعام والشراب .

                    ( يدخل العفريت مع صغاره وهم يحملون أصنافاً جديدة من الطعام )

العفريت :         أنا بخدمتك يا سيدي .. تفضل …

                    ( يُقدِّم له الطعام )

أحمد    :         ( الى ماجد ) أنا لست مسؤولاً عن مرضك يا ماجد ، لقد حذرتك فلا تلمني بعد ذلك .

ماجد    :         لا عليك .

العفريت :         ( لأحمد ) وأنت يا سيدي ، متى تطلب مني أمنيتك كي أحققها لك ؟

أحمد    :         لا أدري ، امنحني قليلاً من الوقت لأفكر ، إنها أمنية واحدة فقط وعليَّ أن أستثمرها بشكل صحيح.

العفريت :         أمرك يا سيدي .

ماجد    :         ما رأيك يا أحمد أن تطلب منه “بلي ستيشن” ، إنك لا تستطيع شراءه فهو غالي الثمن بالقياس إلى راتب أبيك .

أحمد    :         لا ، لا أفكر في ذلك إنها أمنية بسيطة وشخصية .

ماجد    :         ( مواصلاً الأكل ) حسناً ، اطلب منه قصراً وسيارة سباق سريعة .

أحمد    :         لا.. لا.. إنها أمنيات تافهة .

ماجد    :         لقد احترت معك ، اطلب منه أن يُخرجنا من هذه الغابة المخيفة .

أحمد    :         ولماذا لا تطلب ذلك أنت بأمنيتك الوحيدة التي بقيت لديك، ألست من أوقعنا في هذه الورطة .

ماجد    :         لا.. لا.. أمنيتي أنا أحتاجها .

أحمد    :         وكذلك أنا .

العفريت :         ( موجهاً الكلام لماجد ) وأنت يا سيدي ألم تفكر في طلب أمنيتك الثانية مني ؟

ماجد    :         الحقيقة …. الحقيقة …. ( يشعر بألم في بطنه ) آه .. بطني ، بطني تؤلمني .

أحمد    :         ألم أقل لك ؟ لقد أفرطت في الأكل وها أنت قد أُصبت بالتُّخمة .

العفريت :         هل انتهيت من الطعام يا سيدي؟

ماجد    :         ( بألم ) نعم .. لقد انتهيت ، انتهيت …

العفريت :         ( إلى العفاريت الصغار ) هيا ، أيها الأولاد أعيدوا أطباق الطعام إلى مكانها .

                    ( يتحرك العفاريت الصغار بسرعة )

ماجد    :         آه .. بطني ، بطني …

العفريت :         ما بك يا سيدي ؟

ماجد    :         بطني ، بطني تؤلمني ، ألا يوجد حل ؟ بطني …

العفريت :         يوجد يا سيدي ، أجلب لك الدواء حالاً ، وستشعر بتحسن .

ماجد    :         ( بألم ) حقاً ؟

العفريت :         نعم يا سيدي ، أنا بخدمتك مادامت لديك أمنية واحدة .

ماجد    :         ماذا تعني ؟

العفريت :         إذا جلبت لك الدواء ، فهذا يعني أنني سأحقق لك الأمنية الثانية ، أمنية الدواء .

ماجد    :         لا.. لا أريد ، لا أريد أن أفقد أمنيتي الوحيدة بالدواء ، آه .. بطني ، بطني تؤلمني …

                    ( يزداد الألم عليه )

العفريت :         أنت حر يا سيدي .

أحمد    :         قل لي أيها العفريت الطيب ، لو كانت لديك أمنية واحدة ، فماذا ستتمنى ؟

العفريت :         ( وقد فوجئ بالسؤال ) أنا.. أنا ؟ الحقيقة ، إنني لم أفكر بهذا طوال حياتي، لقد تعودت على تحقيق أماني الآخرين ولم أفكر يوماً بأمنية لي .

أحمد    :         لو افترضنا أن لديك هذه الأمنية ، فماذا تفعل ؟

ماجد    :         آه .. بطني .. بطني .. لا أستطيع أن أتحمل الألم . أيها العفريت .. إجلب لي الدواء ، الدواء .. أرجوك .. أرجوك .

العفريت :         سمعاً وطاعة يا سيدي .. سمعاً وطاعة .

                    ( يخرج العفريت مسرعاً )

أحمد    :         ها أنت تفقد أمنيتك الثانية من دون فائدة .

ماجد    :         كيف من دون فائدة ، إنني أشعر بألم لا يُطاق .

أحمد    :         لقد حذرتك ، ولكنك لا تستمع إلى التحذيرات .

                    ( يدخل العفريت حاملاً قنينة تشبه قنينة الدواء )

العفريت :         خذ يا سيدي ، هذا الشراب يحمل مفعول السحر ، ستُشفى بسرعة .

ماجد    :         ( يشرب ) شكراً لك أيها العفريت الطيب .

العفريت          :         الآن أكون قد حققت لك أمنيتك الأخيرة ، ولم يبقَ سوى سيدي الآخر .. ( مُشيراً إلى أحمد )

أحمد    :         إنني في حيرة من أمري ، لا أعرف كيف أتصرف ( يتجه نحو قاعة جمهور الأطفال ) ماذا تقولون أنتم يا أصدقائي ؟

                    ( يتعامل أحمد مع ردود فعل الأطفال باختلاف فعل إلى آخر )

العفريت :         ( يقترب من أحمد ) سيدي ، لقد سألتني قبل قليل إن كانت لي أمنية واحدة كيف سأتصرف ؟

أحمد    :         أجل ، أيها العفريت الطيّب .

العفريت :         إذن ، إسمع مني ، في البدء أنظر إلى نفسي فإذا كنت قانعاً بحياتي وليس لديَّ أي نقص في الأشياء التي تساعدني في تسيير أموري الحياتية ، عندها أحمد الله على نعمته ، وأفكر في الآخرين ، فقد يكون ثمة من يحتاج إلى هذه الأمنية حقاً .

أحمد    :         فكرة جميلة ، ونبيلة في الوقت نفسه .

ماجد    :         الحمد لله ، لقد زال الألم عن بطني .

العفريت :         إنه مفعول الشراب يا سيدي ، فيه من السحر الشيء الكثير .

أحمد    :         إذن ، أيها العفريت هل أنت راضٍ عن حياتك ؟

العفريت :         ( مرتبكاً ) الحقيقة .. يا سيدي .. وبصراحة .. أنا غير راضٍ عن حياتي .

أحمد    :         لماذا ؟

العفريت :         إنني سجين هذا المصباح منذ قرون ، والمشكلة أنني أحيانا أُجبر على تحقيق بعض الأماني التي لا أريد تحقيقها لو تُرك لي الخيار .

ماجد    :         ( بدهشة ) مثل ماذا ؟

العفريت :         أحياناً يقع المصباح بأيدي بعض الأشرار فيطلبون مني أن أُحقق لهم بعض الأمنيات الشريرة .

أحمد    :         لقد فهمت .

العفريت :         لذلك فان حياتي ليست سعيدة ، فضلاً عن ذلك فأنا دائماً في خدمة الناس ، ولم يفكر أحدهم في يوم ما أن يكون في خدمتي ويلبي لي أمنية واحدة على الأقل .

أحمد    :         وما هي أمنيتك ؟

العفريت :         الحرية ، أن أتحرر من هذا المصباح الضيّق وأعود لممارسة حياتي مثل باقي العفاريت .

أحمد    :         وماذا ستُكافئ الإنسان الذي يُطلق سراحك ويحررك من هذا السجن ؟

العفريت :         سأبقى مديناً له طوال حياتي .

أحمد    :         إذن ، أيها العفريت الطيب ، أمنيتي هي أن …..

                    ( يقاطعه ماجد )

ماجد    :         ماذا ؟ ماذا تفعل ؟ ..

أحمد    :         ( بثقة ) أطلب أمنيتي من العفريت .

ماجد    :         وما هي أمنيتك ؟

أحمد    :         وما شأنك بي، لقد تمنّيتَ أنت ما تريد ، وحان الوقت الآن لأتمنّى ما أريد .

ماجد    :         كيف لا شأن لي ، أليس مصيرنا مشتركاً ؟

أحمد    :         هذا قبل أن تُفرًط بالأمنيتين ، أما الآن فعليك أن تُطيعني في ما أُريد .

ماجد    :         ( منفعلاً ) وما تُريد ؟

أحمد    :         سوف أهب أُمنيتي الوحيدة للعفريت كي يحصل على حريته .

ماجد    :         ( مرتبكاً ) ولكن ، نحن .. كيف سنخرج من الغابة ؟

أحمد    :         سيساعدنا بالتأكيد .

ماجد    :         أنت مجنون .

أحمد    :         بل سأكون مجنوناً إذا فكرت بنفسي فقط ، أيها العفريت الطيّب ، إذا وهبتك أمنيتي الوحيدة ، هل تساعدنا في الخروج من الغابة ، والعودة لزملائنا ؟ ..

العفريت :         ( غير مصدق ) حباً وكرامة يا سيدي ، سأكون مديناً لك طول العمر ، وسأُخرجكما من الغابة عند حلول الصباح .

ماجد    :         ( مُتذمراً ) والحيوانات المفترسة ؟

العفريت :         ( يضحك ) ها .. ها .. ها .. أنسيت أنني عفريت ؟ لن تجرؤ الحيوانات على الاقتراب منكما ما دمت معكما .

أحمد    :         ( فرحاً ) إذن ، اتفقنا ، ننام هنا حتى الصباح ، بينما تبقى أنت حارساً لنا ، وعند شروق الشمس تقودنا إلى حيث نريد .

العفريت :         ( بفرح ) شبيك لبيك عبدك بين يديك .

أحمد    :         من الآن أنت حر أيها العفريت .

العفريت :         ( يُقبّل أحمد ) شكراً لك يا سيدي ، شكراً لك .

أحمد    :         هيا يا ماجد لننم حتى الصباح ، بينما العفريت يحرسنا .

                    ( ينام الإثنان تحت الشجرة ، بينما يروح العفريت جيئة وذهاباً ، تبدّل بالضوء دلالة على مضي الليل ، الشمس تبدأ بالشروق ، نسمع أصواتاً تنادي )

أصوات :         أحمد .. ماجد .. أحمد .. ماجد ، أين أنتما ؟

                    ( العفريت يخرج متفقداً الأصوات ، بينما يغط أحمد وماجد في نوم عميق )

أصوات :         أحمد .. ماجد .. أحمد .. ماجد ، أين أنتما ؟

                    ( تدخل مجموعة من التلاميذ هم رفاق أحمد وماجد في السفرة المدرسية ، ثم يدخل المعلم خلفهم، يتوجه الجميع نحو أحمد وماجد ) 

تلميذ 1           :         ها هما ، لقد وجدتهما .

تلميذ 2           :         إنهما نائمان .

المعلم   :         لابد أنهما تعبا من التجوال طوال الليل والنهار في البحث عن المُخيّم ، هيا أيقظوهما كي نعود أدراجنا .

تلميذ 1           :         أحمد .. ماجد ، استيقظا ، هيا .

ماجد    :         ( مفزوعاً ) ماذا ؟ ماذا ، أيها العفريت ؟

                    ( يضحك جميع الأطفال )

المعلم   :         لابد أنهما قضيا ليلة مخيفة .

ماجد    :         أستاذي ، نحن آسفان لم نكن نقصد …

المعلم  :         ( يقاطعه ) لا بأس ، المهم أنكما سالمان .

أحمد    :         ( مستيقظاً ) أين العفريت ؟ أين ذهب ؟

تلميذ 2 :         يبدو أن أحمد وماجد كانا في سهرة أنس مع العفاريت ..

                    ( يضحك الجميع )

ماجد    :         بل كان هناك عفريت ليلة البارحة ، وقد منحنا ثلاث أمنيات .

تلميذ 1 :         وماذا تمنيتما ؟

ماجد    :         ( مُحرجاً ) أنا فقدت الأمنية الأولى في الأكل والشرب حتى أُصبت بالتُّخمة .

تلميذ 2           :         والأُمنية الثانية ؟

ماجد    :         جلب لي العفريت دواءً أراحني من الألم في بطني المتخمة .

تلميذ 1 :         وأنت يا أحمد ، كيف فقدت أُمنيتك ؟

أحمد    :         ( مُستاءً ) لم أفقدها ، بل وهبتها للعفريت كي يتحرر من سجنه في المصباح .

تلميذ 2           :         وأين ذهب العفريت ؟

أحمد    :         لا أدري .

تلميذ 1 :         ( ساخراً ) لقد تبخّر .

                    ( يضحك الجميع )

المعلم   :         ( ضاحكاً ) هيا ، أيها الأطفال لنذهب، فالعفاريت لا توجد إلا في الحكايات .

                    ( يخرجون جميعاً ، بينما يستغرب أحمد وماجد اختفاء العفريت )

ماجد    :         أحمد ، هل تعتقد أن العفريت كان موجوداً أم لا ؟

أحمد    :         ( مفكراً ) لا أدري .

ماجد    :         ( ينتبه لجمهور الأطفال ) لماذا لا نسأل أصدقاءنا الأطفال .

أحمد    :         فكرة رائعة .

ماجد    :         أصدقائي الأطفال ، هل كان العفريت موجوداً أم لا ؟

          ( مع ردود فعل الأطفال تزداد حيرة أحمد وماجد ، ثم يذهبان وراء زملاءهم التلاميذ )

أحمد    :         أنا أقول لك أن العفريت كان موجوداً .

ماجد    :         وأنا أظن أنه كان مجرّد حلم .

                    ( يخرج الاثنان وهما يتشاجران )

Related posts

الحيوان والطبيعة – نص : محمد صخي العتابي